ومن الضروري الإشارة إلى هذه الملاحظة ، وهي أنّه ورد في آخر الآية : (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حَسَنًا إنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ). وهل هناك حسنة أفضل من أن يكون الإنسان دائماً تحت راية القادة الإلهيين ، يحبّهم بقلبه ، ويستمر على خطهم ، يطلب منهم التوضيح للقضايا المبهمة في كلام الخالق ، يعتبرهم القدوة والأسوة وسيرتهم وعملهم هو المعيار.
«اقترف» مأخوذة في الأصل من (قرف) على وزن (حرف) وتعني قطع القشرة الإضافية من الشجرة ، أو من الجروح الحاصلة ، حيث تكون أحياناً علامة على شفاء الجرح وتحسنه ، هذه الكلمة استخدمت فيما بعد في الإكتساب سواء كان حسناً أو سيئاً.
والطريف في الأمر أنّ بعض التفاسير تنقل عن ابن عباس و (السدّي) أنّ المقصود من (اقتراف الحسنة) في الآية الشريفة هو مودة آل محمّد.
وجاء في حديث عن الإمام الحسن بن علي عليهالسلام : «اقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت».
وواضح أنّ المقصود من هذه التفاسير أنّ معنى اكتساب الحسنة لايتحدد بمودّة أهل البيت عليهمالسلام ، بل له معنى أوسع وأشمل ولكن بما أنّ هذه الجملة وردت بعد قضية مودّة ذي القربى ، لذا فإنّ أوضح مصداق لإكتساب الحسنة هو هذه المودّة.
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَأِ اللهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٢٤) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (٢٥) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) (٢٦)
هذه الآيات تعتبر استمراراً للآيات السابقة في موضوع الرسالة وأجرها ، ومودّة ذوي القربى وأهل البيت عليهمالسلام. فأوّل آية تقول : إنّ هؤلاء القوم لا يقبلون الوحي الإلهي ، بل : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا). وهذا الإعتقاد وليد أفكارهم حيث ينسبونه إلى الخالق.
في حين : (فَإِن يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ) ويجرّدك من قابلية إظهار هذه الآيات.
وفي الحقيقة ، فإنّ هذا الأمر إشارة إلى الاستدلال المنطقي المعروف ، وهو أنّه إذا ادعى شخص النبوّة ، وجاء بالآيات البينات والمعاجز ، وشمله النصر الإلهي ، فلو كذب على الخالق فإنّ الحكمة الإلهية تقتضي سحب المعاجز منه وفضحه وعدم حمايته.
ثم تقول الآية لتأكيد هذا الموضوع : (وَيَمْحُ اللهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ).