من المعلوم أنّ اناساً بهذا الضعف والتزلزل وعدم الثبات غير مستعدّين للقاء العدو ومحاربته ، ولا هم متأهّبون لتقبّل الشهادة في سبيل الله ، بل يستسلمون بسرعة ويغيّرون مسيرهم. وبناءً على هذا ، فإنّ المراد من كلمة «الفتنة» هنا هي الشرك والكفر.
ثم يستدعي القرآن الكريم فئة المنافقين إلى المحاكمة ، فيقول : (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِن قَبْلُ لَايُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسُولاً). وعليه فإنّهم مسؤولون أمام تعهّدهم.
إنّ كل من يؤمن ويبايع النبي صلىاللهعليهوآله يعاهده على أن يدافع عن الإسلام والقرآن ولو كلّفه ذلك حياته.
وبعد أن أفشى الله سبحانه نيّة المنافقين وبيّن أنّ مرادهم لم يكن حفظ بيوتهم ، بل الفرار من ميدان الحرب ، يجيبهم بأمرين :
الأوّل : أنّه يقول للنبي صلىاللهعليهوآله : (قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً).
إنّ هذا البيان يشبه ما ورد في غزوة احد ، حيث أشار القرآن في الآية (١٥٣) من سورة آل عمران إلى فئة اخرى من المنافقين المثبّطين للعزائم ، والمفرّقين لوحدة الصف.
والثاني : ألم تعلموا أنّ مصائركم بيد الله ، ولن تقدروا أن تفرّوا من حدود حكومة الله وقدرته ومشيئته : (قُلْ مَن ذَا الَّذِى يَعْصِمُكُم مِّنَ اللهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا).
بناءً على هذا ، فإنّكم إذا علمتم أنّ كل مقدّراتكم بيده سبحانه ، فأطيعوا أمره في الجهاد الذي هو أساس العزة والكرامة والشموخ في الدنيا وعند الله ، وحتى إذا تقرّر أن تنالوا وسام الشهادة فعليكم أن تستقبلوا ذلك برحابة صدر.
(قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً (١٨) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (١٩) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً) (٢٠)