الثالثة كذلك ثم خرج وقد صدعها فسأله سلمان عما رأى من البرق فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «أضاءت الحيرة وقصور كسرى في البرقة الاولى ، وأخبرني جبرئيل أنّ امّتي ظاهرة عليها ، وأضاء لي في الثانية القصور الحُمر من أرض الشام والروم ، وأخبرني أنّ امّتي ظاهرة عليها ، وأضاء لي في الثالثة قصور صنعاء ، وأخبرني أنّ امّتي ظاهرة عليها ، فأبشروا» فاستبشر والمسلمون.
وقال المنافقون : ألا تعجبون يعدكم الباطل ويخبركم أنّه ينظر من يثرب الحيرة ومدائن كسرى وإنّها تُفتَح لكم ، وأنتم تحفرون الخندق ولا تستطيعون أن تبرزوا فأنزل الله : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) (١).
ثم تتطرق الآية الاخرى إلى بيان حال طائفة اخرى من هؤلاء المنافقين مرضى القلوب ، والذين كانوا أخبث وأفسق من الباقين ، فمن جانب تقول الآية عنهم : واذكر إذ قالت مجموعة منهم للأنصار : يا أهل المدينة (يثرب) ليس لكم في هذا المكان موقع فلا تتوقفوا هنا وارجعوا إلى بيوتكم : (وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَامُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا).
وبذلك كانوا يريدون أن يعزلوا الأنصار عن جيش الإسلام.
ومن جانب آخر : (وَيَسْتْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِىَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِىَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا).
«عورة» : مأخوذة من مادة «عار» ، وتقال للشيء الذي يوجب ظهوره العار ، وتقال أيضاً للشقوق والثقوب التي تظهر في اللباس أو جدران البيت ، وكذلك للثغور الضعيفة والنقاط الحدودية التي يمكن اختراقها وتدميرها ، وعلى ما يخافه الإنسان ويحذره ، والمراد هنا البيوت التي ليس لها جدار مطمئن وباب محكم ، ويخشى عليها من هجوم العدو.
و «يثرب» : هو الإسم القديم للمدينة قبل أن يهاجر إليها النبي صلىاللهعليهوآله ، وبعد هجرته أصبح إسمها تدريجياً «مدينة الرسول» ، ومخفّفها المدينة.
وتشير الآية التالية إلى ضعف إيمان هذه الفئة ، فتقول : إنّ هؤلاء بلغ بهم ضعف الإيمان إلى درجة أنّ جيش الكفر لو دخل المدينة من كل جانب وصوب ، واستولى عليها ، ثم دعاهم إلى الشرك والكفر فسوف يقبلون ذلك ويسارعون إليه : (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سِلُوا الْفِتْنَةَ لَأَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا).
__________________
(١) الكامل في التّاريخ لابن الأثير ٢ / ٧٠ (ذكر غزوة الخندق وهي غزوة الأحزاب).