هنا كان الامتحان الإلهي قد بلغ أشدّه كما تقول الآية التالية : (هُنَالِكَ ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا).
من الطبيعي أنّ الإنسان إذا احيط بالعواصف الفكرية ، فإنّ جسمه لا يبقى بمعزل عن هذا الإبتلاء ، بل ستظهر عليه آثار الإضطراب والتزلزل.
(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (١٢) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً (١٣) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً (١٤) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْئُولاً (١٥) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً (١٦) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً) (١٧)
المنافقون في عرصة الأحزاب : فار تنوّر امتحان حرب الأحزاب ، وابتلي الجميع بهذا الامتحان الكبير العسير ، وهنا انقسم المسلمون إلى فئات مختلفة : فمنهم المؤمنون الحقيقيون ، وفئة خواص المؤمنين ، وجماعة ضعاف الإيمان ، وفرقة المنافقين ، وجمع المنافقين العنودين المتعصّبين ، وبعضهم كان يفكّر في بيته وحياته والفرار ، وجماعة كانوا يسعون إلى صرف الآخرين عن الجهاد ، والبعض الآخر كان يسعى إلى تحكيم أواصر الودّ مع المنافقين.
وتعكس اولى الآيات مورد البحث مقالة المنافقين ومرضى القلوب ، فتقول : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا).
جاء في تاريخ حرب الأحزاب : أنّه خلال حفر الخندق ، وبينما كان المسلمون يعملون فخرجت عليهم صخرة كسرت المِعوَل فأعلموا النبي صلىاللهعليهوآله فهبط إليها ومعه سلمان فأخذ المعول وضرب الصخرة ضربة صدعها ، وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتي المدينة حتى لكأن مصباحاً في جوف بيت مظلم فكبّر رسول الله صلىاللهعليهوآله والمسلمون ثم الثانية كذلك ، ثم