ينزل هنا آخر ضربة بالكفر ، ويميّز صفّ المنافقين عن صفوف المسلمين.
وأخيراً انتهت هذه الغزوة بانتصار المسلمين فقد هبّت بأمر الله عاصفة هوجاء إقتلعت خيام الكفار وأتلفت وسائلهم ، وألقت في قلوبهم الرعب الشديد ، وأرسل سبحانه قوى الملائكة الغيبية لعون المسلمين.
وقد اضيف إلى ذلك تجلّي قدرة وعظمة أمير المؤمنين علي عليهالسلام أمام عمرو بن عبد ودّ ، فلاذ المشركون بالفرار من دون القدرة على القيام بأيّ عمل.
نزلت الآيات السبع عشرة من هذه السورة ، واستطاعت بتحليلاتها الدقيقة والفاضحة أن تستفيد من هذه الحادثة المهمة من أجل إنتصار الإسلام النهائي وقمع المنافقين بأفضل وجه.
يلخّص القرآن الكريم هذه الحادثة في آية واحدة أوّلاً ، ثم يتناول تبيان خصوصياتها في الستّ عشرة آية الاخرى ، فيقول : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ) [كثيرة جدّاً] (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا).
ويعلم أعمال كل جماعة وما قامت به في هذا الميدان الكبير.
إنّ التعبير ب «الجنود» إشارة إلى مختلف الأحزاب الجاهلية كقريش وغطفان وبني سليم وبني أسد وبني فزارة وبني أشجع وبني مرّة ، وكذلك إلى طائفة اليهود في داخل المدينة.
إنّ المراد من (جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا) والتي نزلت لنصرة المسلمين ، هو «الملائكة» التي ورد نصرها للمؤمنين في غزوة بدر في القرآن المجيد بصراحة.
والملائكة نزلت لرفع معنويات المؤمنين وشدّ عزيمتهم وإثارة حماسهم.
وتقول الآية التالية تجسيداً للوضع المضطرب في تلك المعركة ، وقوّة الأعداء الحربية الرهيبة ، والقلق الشديد لكثير من المسلمين : (إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الْظُّنُونَا).
إنّ الجملة أعلاه إشارة إلى محاصرة هذه المدينة من قبل أعداء الإسلام.
إنّ جملة (زَاغَتِ الْأَبْصَارُ) ـ بملاحظة أنّ «زاغت» من مادة الزيغ ، أي الميل إلى جانب واحد ـ إشارة إلى الحالة التي يشعر بها الإنسان عند الخوف والإضطراب ، حيث تميل عيناه إلى جهة واحدة ، وتتسمّر وتثبت على نقطة معيّنة ، ويبقى متحيّراً حينذاك.
وجملة (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الْظُّنُونَا) إشارة إلى أنّ بعض المسلمين خطرت على أفكارهم ظنون شيطانية.