المخلفين : هذه الآيات تبيّن حالة المخلّفين ضعاف الإيمان بعد أن بيّنت الآيات السابقة حال المنافقين والمشركين لتتمّ حلقات البحث ويرتبط بعضها ببعض. تقول هذه الآيات : (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ).
إنّهم لم يكونوا صادقين حتى في توبتهم.
فأبلغهم يا رسول و (قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مّنَ اللهِ شَيًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا).
أجلْ (بَلْ كَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا).
وهو يعلم جيداً أنّ هذه الحيل والحجج الواهية لا صحة لها ولا واقعيّة ..
ومن أجل أن ينجلي الأمر ويتّضح الواقع أكثر يميط القرآن جيمع الأستار فيقول : (بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا).
أجلْ ، إنّ السبب في عدم مشاركتكم النبي وأصحابه في هذا السفر التاريخي لم يكن هو كما زعمتم ـ انشغالكم بأموالكم وأهليكم ـ بل العامل الأساس هو سوء ظنّكم بالله ، وكنتم تتصوّرون خطأً أنّ هذا السفر هو السفر الأخير للنّبي وأصحابه وينبغي الاجتناب عنه.
وما ذلك إلّاما وسوست به أنفسكم (وَزُيّنَ ذلِكَ فِى قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ).
لأنّكم تخيّلتم أنّ الله أرسل نبيّه في هذا السفر وأودعه في قبضة أعدائه ولن يخلصه ويحميه عنهم ، (وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا) ـ أي هالكين ـ في نهاية الأمر.
وأي هلاك أشدّ وأسوأ من عدم مشاركتهم في هذا السفر التاريخي وبيعة الرضوان وحرمانهم من المفاخر الاخر .. ثم الفضيحة الكبرى .. وبعد هذا كلّه ينتظرهم العذاب الشديد في الآخرة ، أجل لقد كان لكم قلوب ميتة فابتليتم بمثل هذه العاقبة.
وحيث أنّ هذه الأخطاء مصدرها عدم الإيمان فإنّ القرآن يصرّح في الآية التالية قائلاً : (وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا). «السعير» : معناه اللهيب.
وفي آخر آية من الآيات محل البحث يقول القرآن ومن أجل أن يثبت قدرة الله على معاقبة الكفار والمنافقين : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذّبُ مَن يَشَاءُ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا).