وتجسّد الآية التالية بتصوير أبلغ جبن وخوف هذه الفئة ، فتقول : (يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا).
ثم تضيف الآية : (وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِى الْأَعْرَابِ). أي : منتشرون في الصحراء بين أعراب البادية ، فيختفون هناك ويتتبعون أخباركم : (يَسَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ). فيسألون من كل مسافر آخر الأخبار لئلّا تكون الأحزاب قد اقتربت منهم ، وهم مع ذلك يمنّون عليكم بأنّهم كانوا يتابعون أخباركم دائماً.
وتضيف الآية في آخر جملة : وعلى فرض أنّهم لم ينهزموا ويفرّوا من الميدان ، بل بقوا معكم ، (وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً). فلا تحزنوا وتقلقوا لذهابهم ، ولا تفرحوا بوجودهم بينكم ، فإنّهم اناس لا قيمة لهم ولا صفة تحمد ، وعدمهم أفضل من وجودهم.
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً (٢١) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً (٢٢) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (٢٣) لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٤) وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيّاً عَزِيزاً) (٢٥)
دور المؤمنين المخلصين في معركة الأحزاب : يستمرّ الكلام إلى الآن عن الفئات المختلفة ومخطّطاتهم وأدوارهم في غزوة الأحزاب ، ويتحدّث القرآن المجيد في نهاية المطاف عن المؤمنين الحقيقيين ، ومعنوياتهم العالية ورجولتهم وثباتهم وسائر خصائصهم في الجهاد الكبير.
ويبدأ مقدمة هذا البحث بالحديث عن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ، حيث كان إمامهم وقدوتهم ، فيقول : (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْأَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا).