فإنّ النبي صلىاللهعليهوآله خير نموذج لكم ، لا في هذا المجال وحسب ، بل وفي كل مجالات الحياة ، فإنّ كلّاً من معنوياته العالية ، وصبره واستقامته وصموده ، وذكائه ودرايته ، وإخلاصه وتوجهه إلى الله ، وتسلّطه وسيطرته على الحوادث نموذج يحتذي به كل المسلمين.
«الاسوة» : تعني في الأصل الحالة التي يتلبّسها الإنسان لدى اتّباعه لآخر. وبتعبير آخر : هي التأسي والإقتداء. وبناءً على هذا فإنّ لها معنى المصدر لا الصفة ، ومعنى جملة : (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ، هو أنّ لكم في النبي صلىاللهعليهوآله تأسّياً واقتداءً جيّداً ، فإنّكم تستطيعون بالإقتداء به واتباعه أن تصلحوا اموركم وتسيروا على الصراط المستقيم.
وتجدر الإشارة إلى أنّ علياً عليهالسلام مع شهامته وشجاعته في كل ميادين الحرب ، والتي تمثّل معركة الأحزاب نموذجاً منها ، يقول في نهج البلاغة فيما روي عنه : «كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول الله صلىاللهعليهوآله فلم يكن أحد منّا أقرب إلى العدوّ منه».
بعد ذكر هذه المقدمة تطرقت الآية التالية إلى بيان حال المؤمنين الحقيقيين ، فقالت :(وَلَمَّا رَءَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا).
هذا الوعد إشارة إلى الكلام الذي كان رسول الله قد تكلّم به من قبل بأنّ قبائل العرب ومختلف أعدائكم سيتّحدون ضدّكم قريباً ويأتون إليكم ، لكن اعلموا أنّ النصر سيكون حليفكم في النهاية.
إنّهم قيل لهم من قبل : إنّكم ستخضعون لامتحان عسير ، فلمّا رأوا الأحزاب تيقّنوا صدق إخبار الله ورسوله ، وزاد إيمانهم وتسليمهم.
وتشير الآية التالية إلى فئة خاصة من المؤمنين ، وهم الذين كانوا أكثر تأسّياً بالنبي صلىاللهعليهوآله من الجميع ، وثبتوا على عهدهم الذي عاهدوا الله به ، وهو التضحية في سبيل دينه حتى النفس الأخير ، وإلى آخر قطرة دم ، فتقول : (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ). من دون أن يتزلزل أو ينحرف ويبدّل العهد ويغيّر الميثاق الذي قطعه على نفسه (وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً).
«نحب» : على زنة «عهد» تعني العهد والنذر والميثاق.
إنّ للآية مفهوماً واسعاً يشمل كل المؤمنين المخلصين الصادقين في كل عصر وزمان ، سواء من ارتدى منهم ثوب الشهادة في سبيل الله ، أم من ثبت على عهده مع ربّه ولم يتزعزع ، وكان مستعدّاً للجهاد والشهادة.