وتبيّن الآية التالية النتيجة النهائية لأعمال المؤمنين والمنافقين في جملة قصيرة ، فتقول : (لّيَجْزِىَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا). فلا يبقى صدق وإخلاص ووفاء المؤمنين بدون ثواب ، ولا ضعف وإعاقات المنافقين بدون عقاب.
وتطرح الآية الأخيرة من هذه الآيات ـ والتي تتحدث عن غزوة الأحزاب وتنهي هذا البحث ، فتقول في الجملة الاولى : (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا).
«الغيظ» : يعني (الغضب) ويأتي أحياناً بمعنى (الغمّ) ، وهنا جاء مزيجاً من المعنيين ، فإنّ جيوش الأحزاب قد بذلت قصارى جهدها للإنتصار على جيش الإسلام ، لكنّها خابت ، ورجع جنود الكفر إلى أوطانهم يعلوهم الغمّ والغضب.
والمراد من «الخير» هنا الإنتصار في الحرب ، ولم يكن إنتصار جيش الكفر خيراً أبداً ، بل إنّه شرّ ، ولمّا كان القرآن يتحدّث من وجهة نظرهم الفكرية عبّر عنه بالخير ، وهو إشارة إلى أنّهم لم ينالوا أيّ نصر في هذا المجال.
وتضيف في الجملة التالية : (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ). فقد هيّأ عوامل بحيث انتهت الحرب من دون حاجة إلى إلتحام واسع بين الجيشين ، ومن دون أن يتحمّل المؤمنون خسائر فادحة ، لأنّ العواصف الهوجاء القارصة قد مزّقت أوضاع المشركين من جهة ، ومن جهة اخرى فإنّ الله تعالى قد ألقى الرعب والخوف في قلوبهم من جنود الله التي لا ترى ، ومن جهة ثالثة فإنّ الضربة التي أنزلها علي بن أبي طالب عليهالسلام بأعظم بطل من أبطالهم ، وهو «عمرو بن عبد ودّ» ، قد تسبّبت في تبدّد أحلامهم وآمالهم ، ودفعتهم إلى أن يلملموا أمتعتهم ويتركوا محاصرة المدينة ويرجعوا إلى قبائلهم تقدمهم الخيبة والخسران.
وتقول الآية في آخر جملة : (وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا). فمن الممكن أن يوجد اناس أقوياء ، لكنّهم ليسوا بأعزّاء لا يُقهرون ، بل هناك من يقهرهم ومن هو أقوى منهم ، إلّاأنّ القوي العزيز الوحيد في العالم هو الله عزوجل الذي لا حدّ لقدرته وقوّته ولا انتهاء.
نتائج حرب الأحزاب : لقد كانت حرب الأحزاب نقطة انعطاف في تاريخ الإسلام ، قلبت كفّة التوازن العسكري والسياسي لصالح المسلمين إلى الأبد.
ويمكن تلخيص النتائج المثمرة لهذه المعركة في عدّة نقاط :
أ) فشل مساعي العدو ، وتحطّم قواه.