ولذلك فإنّ الآية تُختتم بالقول مؤكّدة : (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).
هذا هو المعيار الذي حدّده الإسلام لمعرفة المؤمنين الحق وتمييزهم عن الكاذبين المدّعين بالإسلام تظاهراً ، وليس هذا المعيار منحصراً بفقراء جماعة بني أسد ، بل هو معيار واضح وجلي ويصلح لكل عصر وزمان لفصل المؤمنين عن المتظاهرين بالإسلام ، ولبيان قيمة اولئك الذين يمنّون بأن أسلموا على النبي صلىاللهعليهوآله وذلك بحسب الظاهر فحسب ، إلّاأنّه عند التطبيق والعمل لا يوجد فيهم أقلّ علامة من الإيمان أو الإسلام.
(قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٦) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٧) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (١٨)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : قالوا : فلما نزلت الآيتان ـ آنفاً ـ أتو رسول الله صلىاللهعليهوآله يحلفون أنّهم مؤمنون صادقون في دعواهم الإيمان ، فأنزل الله سبحانه الآية الاولى من الآيات مورد البحث وأنذرتهم أن لا يحلفوا ، فالله يعرف باطنهم وظاهرهم ، ولا تخفى عليه خافية في السماوات ولا في الأرض.
التّفسير
لا تمنّوا عليّ إسلامكم : كانت الآيات السابقة قد بيّنت علائم المؤمنين الصادقين ، وحيث إنّا ذكرنا في شأن النّزول أنّ جماعة جاؤوا النبي صلىاللهعليهوآله وقالوا إنّ ادّعاءهم كان حقيقةً وإنّ الإيمان مستقر في قلوبهم ، فإنّ هذه الآيات تنذرهم وتبيّن لهم أنّه لا حاجة إلى الإصرار والقسم ، كما أنّ هذا البيان والإنذار هو لجميع الذين على شاكلة تلك الجماعة ، فمسألة (الكفر والإيمان) إنّما يطّلع عليها الله الخبير بكل شيء.
ولحن الآيات فيه عتاب وملامة ، إذ تقول الآية الاولى من الآيات محل البحث : (قُلْ أَتُعَلّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا فِى السَّموَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ).
ولمزيد التأكيد تقول الآية أيضاً : (وَاللهُ بِكُلّ شَىْءٍ عَلِيمٌ). فذاته المقدسة هي علمه