وهي تناقش المنكرين للقرآن ونبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله وقدرة الله سبحانه. فأوّل ما تبدأ به هو موضوع الخلق فتقول : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ).
وهذه إشارة إلى «برهان العليّة» المعروف الوارد في الفلسفة وعلم الكلام لإثبات وجود الله ، وهو أنّ العالم الذي نعيش فيه ممّا لا شك ـ فيه ـ حادث (لأنّه في تغيير دائم ، وكل ما هو متغيّر فهو في معرض الحوادث ، وكل ما هو في معرض الحوادث محال أن يكون قديماً وأزليّاً).
والآن ينقدح هذا السؤال ، وهو إذا كان العالم حادثاً فلا يخرج عن الحالات الثلاث التالية :
١ ـ وُجد من دون علّة.
٢ ـ هو نفسه علّة لنفسه.
٣ ـ إنّ هذا العالم مخلوق لواجب الوجود الذي يكون وجوده ذاتياً له.
وبطلان الاحتمان المتقدمة واضح ، لأنّ وجود المعلول من دون علّة محال ، وإلّا فينبغي أن يكون كل شيء موجوداً في أي ظرف كان ، والأمر ليس كذلك.
والاحتمال الثاني وهو أن يوجد الشيء من نفسه محال أيضاً ، لأنّ مفهومه أن يكون موجوداً قبل وجوده ، ويلزم منه إجتماع النقيضين [فلاحظوا بدقّة].
فبناءً على ذلك لا طريق إلّاالقبول بالاحتمال الثالث ، أي خالقية واجب الوجود.
الآية التالية تثير سؤالاً آخر على الإدّعاء في المرحلة الأدنى من المرحلة السابقة فتقول : (أَمْ خَلَقُوا السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ).
فإذا لم يوجدوا من دون علّة ولم يكونوا علّة أنفسهم أيضاً ، فهل هم واجبو الوجود فخلقوا السماوات والأرض؟! وإذا لم يكونوا قد خلقوا الوجود ، فهل أوكل الله إليهم أمر خلق السماء والأرض؟ فعلى هذا هم مخلوقون وبيدهم أمر الخلق أيضاً.
من الواضح أنّهم لا يستطيعون أن يدّعوا هذا الإدّعاء الباطل ، لذلك فإنّ الآية تختتم بالقول : (بَل لَّايُوقِنُونَ).
أجل ، فهم يتذرّعون بالحجج الواهية فراراً من الإيمان.
ثم يتساءل القرآن قائلاً : فإذا لم يدّعوا هذه الامور ولم يكن لهم نصيب في الخلق ، فهل