ومرّة اخرى يشير القرآن إلى اتّهام آخر ـ من اتهاماتهم ـ الذي يعدّ الرابع في سلسلة اتّهاماتهم فيقول : (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّايُؤْمِنُونَ).
«تقوّله» : مشتق من مادة تقوّل ـ على وزن تكلّف ـ ومعناه الكلام الذي يفتعله الإنسان بينه وبين نفسه دون أن يكون له واقع.
إنّ القرآن يردّ عليهم ردّاً يدحرهم ويتحدّاهم متهكماً فيقول : (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ).
فأنتم اناس مثله ولديكم العقل والقدرة على البيان والإطلاع والخبرة على أنواع الكلام فلِمَ لا يأتي مفكّروكم وخطباءكم وفصحاءكم بمثل هذا الكلام.
وجملة «فليأتوا» أمر تعجيزي ، والهدف منه بيان عجزهم وعدم قدرتهم على مجاراة القرآن. وهذا ما يعبّر عنه في علم الكلام والعقائد بالتحدّي أي دعوة المخالفين إلى المعارضة والإتيان بالمثل «في مواجهة المعجزات».
فهذه آية من الآيات التي تبيّن إعجاز القرآن بجلاء ، ولا يختصّ مفهومها بمن عاصروا النبي صلىاللهعليهوآله بل يشمل جميع الذين يزعمون ـ بأنّ القرآن كلام بشر ، وأنّه مفترى على الله ـ على إمتداد القرون والأعصار ، فهم مخاطبون بهذه الآية أيضاً ... أي هاتوا حديثاً مثله إن كنتم تزعمون بأنّه ليس من الله وأنّه كلام بشر.
إنّ نداء القرآن في هذه الآية والآيات المشابهة كان عالياً أبداً ، ولم يستطع أي إنسان خلال أربعة عشر قرناً ـ منذ بعثة النبي صلىاللهعليهوآله حتى يومنا هذا ـ أن يرد بجواب إيجابي.
وهذا العجز «العمومي» شاهد حي على أصالة هذا الوحي السماوي.
(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (٣٦) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ (٣٧) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٣٨) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٠) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٤٣)
هذه الآيات تواصل البحث الاستدلالي السابق ـ كذلك ـ مع أحد عشر سؤالاً متتابعاً ،