«الكاهن» : يطلق على من يخبر عن الأسرار الغيبية ، وغالباً ما كان الكاهن يدّعي بأنّه له علاقة بالجن ويستمد الأخبار الغيبية منهم.
فإنّ قريشاً ومن أجل أن تشتّت الناس وتصرفهم عن النبي صلىاللهعليهوآله كانت تتّهمه ببعض التّهم ، فتارةً تتّهمه بأنّه كاهن ، وتارةً تتّهمه بأنّه مجنون ، والعجب أنّها لم تقف على تضاد الوصفين ، لأنّ الكهنة اناس أذكياء والمجانين على خلافهم! ولعل الجمع بين الإفترائين في الآية إشارة إلى هذا التناقض في الكلام من قبل القائلين.
ثم يذكر القرآن الإتهام الثالث الذي يخالف الوصفين السابقين أيضاً فيقول : (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ).
«المنون» : مشتق من المنّ ، وهو على معنيين : النقصان والقطع ، ثم استعملت كلمة «المنون» في الموت أيضاً ، لأنّه ينقص العدد ويقطع المدد ؛ «ريب» : أصلها الشك والتردد والوهم في الشيء الذي تنكشف أستاره بعدئذ فتتضح حقيقته. وهذا التعبير يستعمل في شأن الموت ، فيقال «ريب المنون» لأنّ وقت حصوله غير معلوم لا أصل تحققه.
إلّا أنّ جماعة من المفسرين قالوا : إنّ المراد من «ريب المنون» في الآية محل البحث هو حوادث الدهر ، حتى إنّه نقل عن ابن عباس أنّه قال حيث ما وردت كلمة «ريب» في القرآن فهي بمعنى الشك والتردد ، إلّافي هذه الآية من سورة الطور فمعناها الحوادث.
فاولئك كانوا يطمئنون أنفسهم ويرضون خاطرهم بأنّ حوادث الزمان كفيلة بالقضاء على النبي صلىاللهعليهوآله وكانوا يتصورون أنّهم سيتخلصون من هذه المشكلة العظمى التي أحدثتها دعوة النبي صلىاللهعليهوآله في سائر المجتمع ... لذلك فإنّ القرآن يرد عليهم بجملة موجزة مقتضبة ذات معنى غزير ويهدّد هؤلاء ـ عمي القلوب ـ مخاطباً نبيّه فيقول : (قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنّى مَعَكُم مّنَ الْمُتَرَبّصِينَ).
ثم يوبّخهم القرآن توبيخاً شديداً فيقول في شأنهم : (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلمُهُم بِهذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ).
إنّ هذه التّهم والإفتراءات ليست مما تقول به عقولهم وتأمرهم به ، بل أساسها طغيانهم وتعصبهم وروح العصيان والتمرد.
«الأحلام» : جمع «حُلُم» ومعناه العقل ؛ وهذه الكلمة قد تأتي بمعنى الرؤيا والمنام ولا يبعد مثل هذا التّفسير في الآية محل البحث ... فكأنّ كلماتهم ناتجة عن أحلامهم الباطلة.