وأمّا إطلاق كلمة «السم» على المواد القاتلة فهو لأنّها تنفذ في جميع أجزاء البدن.
والكلام الذي ينقله القرآن على لسان أهل الجنة هنا يشير إلى إعترافهم بهذه الحقيقة وهي أنّ كون الله برّاً رحيماً يعرفه أهل الجنة في ذلك الزمان أكثر من أي وقت مضى فيقولون : (إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ).
إلّا أنّنا نعرف هذه الصفات الآن بشكل واقعي أكثر مما كنا نعرفها ، إذ شملنا برحمته العظيمة قبال هذه الأعمال التي لا تعدّ شيئاً وأحسن إلينا مع كل تلك الذنوب الكثيرة.
(فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (٢٩) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (٣٢) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ) (٣٤)
سبب النّزول
في الدرّ المنثور عن ابن عباس أنّ قريشاً لما اجتمعوا في الدار الندوة (١) في أمر النبي صلىاللهعليهوآله قال قائل منهم احبسوه في وثاق وتربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة إنّما هو كأحدهم فأنزل الله في ذلك من قولهم (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ).
التّفسير
كان الكلام في الآيات المتقدمة عن قسم مهم من نعم الجنة وثواب المتقين وكان الكلام في الآيات التي سبقتها عن بعض عذاب أهل النار. لذلك فإنّ الآية الاولى من الآيات محل البحث تخاطب النبي فتقول : (فَذَكّرْ). لأنّ قلوب عشّاق الحق تكون أكثر إستعداداً بسماعها مثل هذا الكلام ، وقد آن الأوان أن تبيّن الكلام الحق لها.
ثم يذكر القرآن الإتهامات التي أطلقها أعداء النبي الألدّاء المعاندون فيقول : (فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ).
__________________
(١) «دار الندوة» : وهي دار قصي بن كلاب التي لا تقضي قريش أمراً من أمورها إلّافيها ، وكانت هذه الدار بابهاإلى مسجد الكعبة. (راجع سيرة النبي صلىاللهعليهوآله ، ابن هشام الحميري ٢ / ٣٣١).