ثم تشير الآية التالية إلى ما يشربه أهل الجنة من شراب سائغ فتقول : (يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَّالَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ).
حيث يناول أحدهم الآخر كؤوس الشراب الطاهر من الإثم والإفساد ، ويشربون شراباً سائغاً عذباً لذيذاً يهب النشاط خالياً من أي نوع من أنواع التخدير وفساد العقل! ولا يعقبه لغو ولا إثم ، بل كلّه لذّة وإنتباه ونشاط «جسمي وروحاني».
«يتنازعون» : من مادة التنازع ومعناه أخذ بعضهم من بعض. بأنّ أهل الجنة يتجاذبون الشراب الطهور بعضهم من بعض على سبيل المزاح والسرور.
أمّا النعمة الرابعة المذكورة لأهل الجنة فوجود الخدم والغلمان إذ تقول الآية : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ).
و «اللؤلؤ المكنون» : هو اللؤلؤ داخل صدفه ، وهو في هذه الحالة شفّاف وجميل إلى درجة لا توصف وإن كان خارج الصدف شفّافاً وجميلاً أيضاً ، غير أنّ الهواء الملوّث والأيدي التي تتناوله كل ذلك يؤثّر فيه ، فلا يبقى على حالته الاولى من الشفافية! فالغلمان وخدمة الجنة هم إلى درجة من الصفاء حتى كأنّهم اللؤلؤ المكنون كما يعبّر القرآن الكريم.
وبالرغم من أنّه لا حاجة في الجنة إلى الخدمة ، وما يطلبه الإنسان يجده أمامه ، إلّاأنّ هذا بنفسه إكرام أو إحترام آخر لأهل الجنة.
في تفسير مجمع البيان : قيل يا رسول الله! الخادم كاللؤلؤ فكيف المخدوم؟ فقال : «والذي نفسي بيده إنّ فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب».
وآخر نعمة في هذه السلسلة من النعم هي نعمة الطمأنينة وراحة البال من كل عذاب أو عقاب إذ تقول الآية التالية : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّا كُنَّا فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ).
مشفقين أن يسلك أبناؤنا طريق الضلال ، فيتيهوا في مفازة جرداء ويتحيّروا. مشفقين أن يفجؤنا أعداؤنا القساة ويضيّقوا علينا الميدان. ولكن الله منّ علينا برحمته الواسعة : (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ).
«السموم» : يعني الحرارة التي تدخل في مسام البدن فتؤذي الإنسان ، ويطلق على الريح التي تتسم بهذه السمة بريح السموم كما يطلق عذاب السموم على مثل هذا العذاب الذي تدخل حرارته مسام البدن فتؤذيه.