وبديهي أنّ الذكر والانثى لا يختلفان في نظر القيمة الإنسانية ... والتعبير في الآية المتقدمة هو في الحقيقة من قبيل الاستدلال بعقيدتهم الباطلة ومحاججتهم بها.
ثم يتنازل القرآن إلى مرحلة اخرى ، فيذكر واحداً من الامور التي يمكن أن تكون ذريعة لرفضهم فيقول : (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ).
«المغرم» : ـ على وزن مغْنَم وهو ضدّ معناه ـ أي ما يصيب الإنسان من خسارة أو ضرر دون جهة ، أمّا الغريم فيطلق على الدائن والمدين أيضاً.
و «المُثقَل» : مشتق من الأثقال ، ومعناه تحميل العبء والمشقة ، فبناءً على هذا المعنى يكون المراد من الآية : تُرى هل تطلب منهم غرامة لتبليغ الرسالة فهم لا يقدرون على أدائها ولذلك يرفضون الإيمان؟!
ومرّة اخرى يخاطبهم القرآن متسائلاً (أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ). فهؤلاء يدّعون أنّ النبي شاعر وينتظرون موته لينطوي بساطه وينتهي كل شيء بموته وتلقى دعوته في سلّة الإهمال. فمن أين لهم أنّهم سيبقون أحياء بعد وفاة النبي؟ ومن أخبرهم بالغيب؟!
ثم يتناول القرآن إحتمالاً آخر فيقول : لو لم يكن كل هذه الامور المتقدمة ، فلابدّ أنّهم يتآمرون لقتل النبي وإجهاض دعوته ولكن ليعلموا أنّ كيد الله أعلى وأقوى من كيدهم : (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ).
وأخيراً فإنّ آخر ما يثيره القرآن من أسئلة في هذا الصدد قوله : (أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ). ويضيف ـ منزّهاً ـ : (سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ).
فعلى هذا لا أحد يستطيع أن يمنعهم من الله ويحميهم ، وهكذا فإنّ القرآن يستدرجهم ويضعهم أمام استجواب عجيب وأسئلة متّصلة تؤلّف سلسلة متكاملة مؤلفة من أحد عشر سؤالاً ، ويضطرهم مرحلة بعد مرحلة إلى التراجع والتنازل من الإدعاءات الفارغة ، ثم يوصد عليهم سُبُل الفرار كلها ويحاصرهم في طريق مغلق.
(وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (٤٤) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (٤٥) يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٦) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٤٧) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) (٤٩)