تعقيباً على البحث الوارد في الآيات المتقدمة الذي يناقش المشركين والمنكرين المعاندين ، هذا البحث الذي يكشف الحقيقة ساطعةً لكل إنسان يطلب الحق ، تميط الآيات محل البحث النقاب عن تعصبهم وعنادهم فتقول : (وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مّنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ).
إنّ هؤلاء المشركين معاندون إلى درجة إنكارهم الحقائق الحسية وتفسيرهم الحجارة الساقطة من السماء بالسحاب.
وهكذا يتّضح حال هؤلاء الأشخاص إزاء الحقائق المعنوية. لذلك فإنّ الآية التالية تضيف بالقول : (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِى فِيهِ يُصْعَقُونَ).
«يُصعقون» : مأخوذة من صعق ، والإصعاق هو الإهلال ، وأصله مشتق من الصاعقة ، وحين أنّ الصاعقة تُهلك من تقع عليه فإنّ هذه الكلمة استعملت بمعنى الإهلاك أيضاً.
إنّ جملة «ذرهم» أمر يُفيد التهديد ، والمراد منه أنّ الإصرار على تبليغ مثل هؤلاء الأفراد لا يجدي نفعاً إذ لا يهتدون.
ثم يبيّن القرآن في الآية التالية هذا اليوم فيقول : (يَوْمَ لَايُغْنِى عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ).
أجل ، من يمت تقم قيامته الصغرى «من مات قامت قيامته» وموته بداية للثواب أو العقاب الذي يكون قسم منه في البرزخ والقسم الآخر في القيامة الكبرى ، أي القيامة العامة ، وفي هاتين المرحلتين لا تنفع ذريعة متذرّع ولا يجد الإنسان وليّاً من دون الله ولا نصيراً.
ثم تضيف الآية أنّه لا ينبغي لهؤلاء أن يتصوروا أنّهم سيواجهون العذاب في البرزخ وفي القيامة فحسب ، بل لهم عذاب في هذه الدنيا أيضاً : (وَإِنَّ لّلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَايَعْلَمُونَ).
أجل ، إنّ على الظالمين أن ينتظروا في هذه الدنيا عذاباً كعذاب الامم السابقة كالصاعقة والزلازل والكسف من السماء والقحط أو القتل على أيدي جيش التوحيد كما كان ذلك في معركة بدر وما ابتلي به قادة المشركين فيها إلّاأن يتيقّظوا ويتوبوا ويعودوا إلى الله آيبين منيبين.
وجملة (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَايَعْلَمُونَ) تشير إلى أنّ أغلب اولئك الذين ينتظرهم العذاب