ويتعرض تفسير «في ظلال القرآن» للتواصي بالحق والتواصي بالصبر ، فيذكر أنهما عنوان كرم للامة الكريمة المؤمنة ، ذات الشخصية المتميزة المتماسكة ، والتي تستطيع بايمانها وعملها الصالح أن تكون طليعة للانسانية الفاضلة وقائدة لها نحو الخير والصلاح : «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ».
واذا كان الاستمساك بالحق عسيرا ، وقد تنوء به همة الفرد من الافراد على النطاق العام ، فان تلاقي الهمم وتجمع العزائم ، وتبادل التواصي بالواجب ، يعين ويشجع ، وما أقل جهد الفرد في تحقيق الخير العام ، وما أكثره حين يتضام مع جهود سواه هنا وهناك.
وحين تتجه الامة الى اقامة مجتمع الحق والخير ، لا بد لها من الصبر ، ولا بد لها من احتمال المتاعب والمصاعب ، وحينئذ تتكاثر العزائم الصابرة ، وتتضاعف الايدي الثابتة ، وتتوالى الاقدام الراسخة ، فاذا أضيف الى ذلك أن الهدف واحد ، وأن الصف واحد ، وأن الغاية واحدة ، فقد اجتمع للامة الكثير من حوافز الخير وعوامل الاصلاح ، ومن وراء تلك تتوالى الخطوات الجماعية المخلصة المتساندة الماضية نحو دعم الحق وتأييد الخير.
يقول التفسير : «أما التواصي بالحق والتواصي بالصبر فتبرز من خلالهما صورة الامة المسلمة ـ أو الجماعة المسلمة ـ ذات الكيان الخاص ، والرابطة المتميزة ، والوجهة الموحدة. الجماعة التي تشعر بكيانها كما تشعر بواجبها ، والتي تعرف حقيقة ما هي مقدمة عليه من الايمان والعمل الصالح ، الذي يشمل فيما يشمل قيادة البشرية في طريق الايمان والعمل الصالح ، فتتواصى فيما بينها بما يعينها على النهوض بالامانة الكبرى.
فمن حلال لفظ «التواصي» ومعناه وطبيعته وحقيقته تبرز صورة الامة أو الجماعة المتضامة المتضامنة ، الامة الخيرة الواعية القيمة في الارض