«الصفة الرابعة» : قوله : «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ».
معناه : يعطون ما أعطوا ، فدخل فيه كل حق يلزم ايتاؤه ، سواء كان ذلك من حق الله تعالى ، كالزكاة والكفارة وغيرهما ، أو من حقوق الآدميين كالودائع والديون وأصناف الانصاف والعدل.
وبيّن أن ذلك انما ينفع اذا فعلوه وقلوبهم وجلة ، لأن من يقدم على العبادة وهو وجل من تقصيره ، واخلاله بنقصان أو غيره ، فانه يكون لأجل ذلك الوجل مجتهدا في أن يوفيها حقها في الاداء.
وسألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلىاللهعليهوآله فقالت : «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ» : أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق ، وهو على ذلك يخاف الله تعالى؟!.
فقال عليه الصلاة والسلام : «لا يا ابنة الصدّيق ، ولكن هو الرجل يصلي ويصوم ويتصدق ، وهو على ذلك يخاف الله تعالى».
واعلم أن ترتيب هذه الصفات في نهاية الحسن ، لأن الصفة الاولى دلت على حصول الخوف الشديد الموجب للاحتراز عما لا ينبغي ، والصفة الثانية دلت على ترك الرياء في الطاعات ، والصفة الثالثة دلت على أن المستجمع لتلك الصفات الثلاث يأتي بالطاعات مع الوجل والخوف من التقصير ، وذلك هو نهاية مقامات الصديقين ، رزقنا الله سبحانه الوصول اليها».
ويرى بعض المفسرين المعاصرين أن الآيات الكريمة السابقة فيها ابراز لصورة اليقظة والحذر في القلوب المؤمنة ، بعد ابراز صورة الغفلة والغمرة في القلوب الضالة ، فيسوق في تبيان ذلك العبارة التالية :
«من هنا يبرز أثر الايمان في القلب ، من الحساسية والارهاف والتحرج ، والتطلع الى الكمال ، وحساب العواقب ، مهما ينهض بالواجبات والتكاليف.