رسول الله صلىاللهعليهوآله الى أبي بكر يخبره بأن الله تعالى قد أنزل عليه آيات ينهاه فيها عن اخراجهم ، فكبر أبو بكر وفرح ، وقرأ الرسول عليه ما نزل ، فلما بلغ قوله تعالى : «أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ» قال أبو بكر : بلى يا رب اني أحب أن يغفر لي ، وقد تجاوزت عما كان.
وذهب أبو بكر الى بيته ، وأرسل الى مسطح وأصحابه ، وقال : قبلت ما أنزل الله على الرأس والعين ، وانما فعلت بكم ما فعلت اذ سخط الله عليكم ، أما اذ عفا عنكم فمرحبا بكم.
وجعل لمسطح ضعف ما كان له قبل ذلك.
ونفهم من الآية الكريمة أن أهل الفضل في الدين والخلق لا يقصرون في الاحسان الى المسلمين ، فهم أهل سماحة وصفح ، ونرى أن الله تبارك وتعالى حينما أمر أبا بكر بالاعطاء لقبه بأولي الفضل والسعة ، كأنه سبحانه يقول له : أنت أفضل من أن تقابل اساءته بمثلها ، وأنت أوسع قلبا من أن تقيم للدنيا وزنا ، فلا يليق بفضلك وسعة قلبك أن تقطع برك عنه بسبب ما صدر منه من الاساءة ، وهذا الخطاب يدل على نهاية الفضل والعلو في الدين.
ويعلق الرازي على قوله : «وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا» فيقول ان العفو قرينة التقوى ، وكل من كان أقوى في العفو كان أقوى في التقوى ، ومن كان كذلك كان أفضل لقول الله : «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ». والعفو والتقوى متلازمان وقد اجتمعا في أبي بكر ، أما التقوى فلقوله سبحانه : «وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى» وأما العفو فلقوله : «وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا».
ولقد قال الله لرسوله صلىاللهعليهوآله «فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ» وقال في حق أبي بكر : «وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا» فهذا يدل على أن أبا بكر كان ثاني اثنين لرسول الله صلىاللهعليهوآله في جميع الاخلاق حتى في العفو والصفح.