ولذلك قالت الآية : «أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ» هكذا بصيغة الجمع على سبيل التعظيم.
وقد علق الله غفرانه على اقدام أبي بكر على العفو والصفح ، وقد حصل فترتب الجزاء على الشرط فتحققت المغفرة لأبي بكر ، وقوله : «يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ» بصيغة المستقبل ، وهو غير مقيد بشيء دون شيء ، فدلت الآية على أنه سبحانه قد غفر لأبي بكر في مستقبل عمره على الاطلاق ، فكان من هذا الوجه ثاني اثنين للرسول عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى : «لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ». وكان هذا دليلا على صحة امامته رضي الله عنه. يقول الرازي : فان امامته لو كانت على خلاف الحق لما كان مغفورا له على الاطلاق ، ودليلا على صحة ما ذكره الرسول في خبر بشارة العشرة بأن أبا بكر في الجنة.
ويقول القرآن في سورة الزخرف :
«أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ»(١).
والمعنى : أفنعرض اعراضا عن أن نذكركم من أجل اسرافكم على أنفسكم في كفركم؟. يقال : ضربت عن فلان صفحا ، اذا أعرضت عنه وتركته.
وقيل ان المعنى على سبيل التهديد ، أي أتحسبون أن نصفح عنكم فلا نعذبكم ولم تفعلوا ما أمرناكم به؟.
ولكن قتادة يفهم من الآية فهما دقيقا يعبر عنه بقوله : «والله لو أن
__________________
(١) سورة الزخرف ، الآية ٥.