«وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ» (١).
ويقول الرازي في ذلك ان المعنى هو : فليرغب الراغبون في مثل ذلك ، بالمبادرة الى طاعة الله ، لأن التنافس يجب أن يكون في مثل ذلك النعيم العظيم الدائم ، لا في النعيم الدنيوي الذي هو مشوب بالكدر ، سريع الزوال والفناء. ويقول مفسر آخر : فليرغب الراغبون وليتبادر المتبادرون بالمبادرة الى طاعة الله تبارك وتعالى ، لأن كلا منهم يريد أن يتقدم غيره في طريق الخير والبر ، بما يظهر من نفسه من الجد والاجتهاد ، والاعتمال في الطاعة والعبودية لمولاه جل جلاله. ويقول الشيخ محمد عبده في تفسير الآية : في ذلك النعيم وما تلاه يرغب الراغبون ، ويسبق بعضهم بعضا اليه بالاعمال الصالحة التي تقرب منه.
والنص القرآني في هذا الموطن يتحدث عن الابرار أصحاب النعيم ، الذين يجلسون على الارائك ينظرون ، تعرف في وجوههم نضرة النعيم ، ويقول : «يسقون من رحيق مختوم. ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون» أي يسقى هؤلاء الابرار من خمر صرف لا غش فيها مزاجها وخلطها مسك ، وطعمها وريحها مسك ، فهؤلاء الابرار الذين يتنافسون في الخيرات ، ويتعاونون في المبرات ، وكل منهم يبذل جهده وطاقته ليكون سباقا الى المكرمات ، يسقون من خمر الجنة الصافي المختوم الذي لا غش فيه ، وعاقبة ما يشربونه مسك طيب وفي مثل هذا المجال الكريم فليتفاخر المتفاخرون ، وليستبق الى مثله المتسابقون وذلك كقوله تعالى : «لمثل هذا فليعمل العاملون» ، ويعبر القشيري بقوله : فليتنافس المتنافسون وتنافسهم فيه يكون بالمبادرة الى الاعمال الصالحة ، والمسابقة الى القربات ، وتعليق القلب الطهور بالله تبارك وتعالى ، والتنزه من الاخلاق الدنية والصفات
__________________
(١) سورة المطففين ، الآية ٢٦.