الذميمة ، وجولان همة المؤمن بالتفكير في ملكوت السماوات والارض ، ودوام المناجاة لرحمن الدنيا والآخرة. ولنلاحظ أن السورة الكريمة ذكرت صفات هؤلاء الابرار وفي قمتها التنافس في الخير ، بعد أن ذكرت أولئك المطففين الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ، وبعد أن ذكرت الفجار الذين يكذبون بيوم الدين ، فحق عليهم العذاب الأليم ، وقد جاءت عبارة مبسوطة في تفسير «ظلال القرآن» وفي خلالها تمجيد بفضيلة التنافس في الخير والمسابقة في ميادين البر ، فهو يقول : «ان أولئك المطففين ، الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ، ولا يحسبون حساب اليوم الآخر ، ويكذبون بيوم الحساب والجزاء ، ويرين على قلوبهم الاثم والمعصية. ان هؤلاء انما يتنافسون في مال أو متاع من متاع الارض الزهيد. يريد كل منهم أن يسبق اليه ، وأن يحصل على أكبر نصيب منه. ومن ثم يظلم ويفجر ويأثم ويرتكب ما يرتكب في سبيل متاع من متاع الارض زائل.
وما في هذا العرض القريب الزهيد ينبغي التنافس. انما يكون التنافس في ذلك النعيم وفي ذلك التكريم : «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون» فهو مطلب يستحق المنافسة ، وهو أفق يستحق السباق ، وهو غاية تستحق الغلاب. والذين يتنافسون على شيء من أشياء الارض مهما كبر وجل وارتفع وعظم ، انما يتنافسون في حقير قليل فان قريب. والدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة. ولكن الآخرة ثقيلة في ميزانه. فهي اذن حقيقة تستحق المنافسة فيها والمسابقة ومن عجب أن التنافس في أمر الآخرة يرتفع بأرواح المتنافسين جميعا. بينما التنافس في أمر الدنيا ينحط بها جميعا. والسعي لنعيم الآخرة يصلح الارض ويعمرها ويطهرها للجميع. والسعي لعرض الدنيا يدع الارض مستنقعا وبيئا تأكل فيه الديدان بعضها البعض. أو تنهش فيه الهوام والحشرات جلود الابرار الطيبين. والتنافس في نعيم الآخرة لا يدع الارض خرابا بلقعا كما قد يتصور بعض المنحرفين.