انما يجعل الاسلام الدنيا مزرعة الآخرة. ويجعل القيام بخلافة الارض بالعمار مع الصلاح والتقوى وظيفة المؤمن الحق. على أن يتوجه بهذه الخلافة الى الله ، ويجعل منها عبادة له تحقق غاية وجوده كما قررها الله ـ سبحانه ـ وهو يقول :
«وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» (١).
وان قوله :
«وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ» (٢).
لهو توجيه يمد بأبصار أهل الارض وقلوبهم وراء رقعة الارض الصغيرة الزهيدة ، بينما هم يعمرون الارض ويقومون بالخلافة فيها. ويرفعها الى آفاق أرفع وأطهر من المستنقع الآسن بينما هم يطهرون المستنقع وينظفونه.
ان عمر المرء في هذه العاجلة محدود ، وعمره في الآجلة لا يعلم نهايته الا الله. وان متاع هذه الارض في ذاته محدود. ومتاع الجنة لا تحده تصورات البشر. وان مستوى النعيم في هذه الدنيا معروف ومستوى النعيم هناك يليق بالخلود. فأين مجال من مجال؟ وأين غاية من غاية؟ حتى بحساب الربح والخسارة فيما يعهد البشر من الحساب؟
ألا ان السباق الى هناك .. «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون».
ولقد كان سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم خير من يبعث روح
__________________
(١) سورة الذاريات ، الآية ٥٦.
(٢) سورة المطففين ، الآية ٢٦.