الثانية : قوله تعالى «الى الله» بيان المهروب اليه ، ولم يذكر الذي منه الهرب لاحد وجهين :
اما لكونه معلوما وهو هول العذاب ، أو الشيطان الذي قال فيه : «ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا» واما ليكون عاما ، كأنه يقول : كل ما عدا الله عدو لكم ، ففروا الى الله من كل ما عداه. وبيانه هو أن كل ما عداه يتلف عليك رأس مالك ، وهو العمر ، ويفوت عليك ما هو الحق والخير ، ومتلف رأس المال ومفوت الكمال عدو. وأما اذا فررت الى الله ، وأقبلت على الله فهو يأخذ عمرك ، ولكنه يرفع أمرك ، ويعطيك بقاء لا فناء معه.
الثالثة : في النص تنويع للكلام وفيه فائدة بيانها أن الله تعالى قال : والسماء بنيناها ، والارض فرشناها ، ومن كل شيء خلقنا ، ثم جعل الكلام للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وقال : ففروا الى الله اني لكم منه نذير مبين ، ولم يقل : ففروا الينا وذلك لان اختلاف الكلام له تأثير ، وكذلك لاختلاف المتكلمين تأثير ، ولهذا يكثر الانسان من النصائح مع ولده الذي حاد عن جادة الصواب ، ويجعل الكلام مختلفا : نوعا ترغيبا ، ونوعا ترهيبا وتنبيها بالحكايات ثم يقول لغيره تكلم معه ، لعل كلامك ينفع لما في أذهان الناس أن اختلاف المتكلمين واختلاف الكلام كلاهما مؤثر ، والله تعالى ذكر أنواعا من الكلام ، وكثيرا من الاستدلالات والآيات.
ويذهب تفسير «في ظلال القرآن» الى أن الله تبارك وتعالى في ظل هذه اللمسات القصيرة العبارة الهادئة المدى في أجواز الفضاء ، وفي آماد الارض ، وفي أعماق الخلائق ، يهتف بالبشر ليفروا الى خالق السماء والارض والخلائق ، متجردين من كل ما يثقل أرواحهم ويقيدها ، موحدين الله الذي خلق هذا الكون وحده بلا شريك : «ففروا الى الله اني لكم منه نذير مبين ، ولا تجعلوا مع الله الها آخر اني لكم منه نذير مبين».