والتعبير بلفظ الفرار ـ كما يذكر التفسير ـ عجيب حقا ، وهو يوحي بالاثقال والقيود والاغلال والارهاق ، التي تشد النفس البشرية الى هذه الارض ، وتثقلها عن الانطلاق ، وتحاصرها وتأسرها وتدعها في عقال ، وبخاصة أوهاق الرزق والحرص والانشغال بالاسباب الظاهرة للنصيب الموعود ، ومن ثم يجيء الهتاف قويا للانطلاق والتملص والفرار الى الله من هذه الاثقال والقيود ... الفرار الى الله وحده منزها عن كل شريك ، وتذكير الناس بانقطاع الحجة وسقوط العذر «اني لكم منه نذير مبين» ... وتكرار هذا التنبيه في آيتين متجاورتين زيادة في التنبيه والتحذير.
ويرى القشيري ان معنى الفرار الى الله هو الرجوع الى الله ، لان الانسان باحدى حالتين ، اما حالة رغبة في شيء ، او حال رهبة من شيء ، أو حال رجاء أو حال خوف ، أو حال جلب نفع أو دفع ضر ، وفي الحالتين ينبغي أن يكون فرار الانسان الى الله تعالى ، فان النافع الضار هو الله جل جلاله.
ويقال : من صح فراره الى الله صح قراره مع الله. ويقال : يجب على العبد أن يفر من الجهل الى العلم ، ومن الهوى الى التقى ، ومن الشك الى اليقين ، ومن الشيطان الى الله.
وقد وردت مادة الفرار أيضا في سورة الشعراء في قوله تعالى على لسان موسى عليهالسلام :
«فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ» (١).
أي ففررت منكم معشر الملأ من قوم فرعون لما خفت ان تقتلوني بقتل
__________________
(١) سورة الشعراء ، الآية ٢١.