الايمان ومعاملات القلوب ، ومن حظوظ النفس ورغباتها الى التجرد لعبادة الله عزوجل ، فصاحب هذا التجريد لا يقنع من الله بأمر يسكن اليه دون الله ، ولا يفرح بما حصل له دون الله ، ولا يأسى على ما فاته سوى الله ، ولا يستغني برتبة شريفة ، وان عظمت عنده أو عند الناس ، فلا يستغني الا بالله ، ولا يفتقر الا الى الله ، ولا يفرح الا بمرافقته لمرضاة الله ، ولا يحزن الا على ما فاته من الله ، ولا يخاف الا من سقوطه من عين الله واحتجاب الله عنه ، فكله بالله ، وكله لله ، وكله مع الله ، وسيره دائما الى الله.
الثالثة : فرار خاصة الخاصة : وهو الفرار مما دون الحق الى الحق.
وهناك فرار لا فائدة له ولا جدوى من ورائه كقول القرآن في سورة الاحزاب :
«قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً» (١).
وقوله تعالى في سورة الجمعة :
«قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (٢).
وتحدث القرآن عن نوع معيب من الفرار ، وهو الفرار من التبعة والواجب ، كقوله في سورة الاحزاب :
__________________
(١) سورة الاحزاب ، الآية ١٦.
(٢) سورة الجمعة ، الآية ٨.