ملكهم الكافر ، فما هو الا أن وجدوا حقيقة الايمان والتوفيق ، وذاقوا حلاوته ، وباشر قلوبهم ، فقاموا من بين قومهم وقالوا : ربنا رب السماوات والارض ، لن ندعو من دونه الها ، لقد قلنا اذن شططا ، والربط على قلوبهم يتضمن الشد عليها بالصبر والتثبيت ، وتقويتها بنور الايمان.
والعبد المؤمن سائر الى الله ، لا ينقطع سلوكه اليه ما دام على قيد الحياة ، وهو لا يصل ما دام حيا الى الله وصولا يستغني به عن السير اليه البتة ، بل يشتد سيره الى الله كلما زادت ملاحظته لتوحيده واسمائه وصفاته جل جلاله ، ولهذا كان سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسّلام أعظم الخلق اجتهادا وقياما بالاعمال ، ومحافظة عليها الى أن توفاه الله تعالى ، وهو أعظم ما كان اجتهادا وقياما بوظائف العبودية ، فلو أن العبد أتى بأعمال الثقلين جميعها لم تفارقه حقيقة السير الى الله ، وكان على الدوام في طريق الطلب والارادة.
ومن السالكين ـ كما يذكر ابن القيم ـ من يكون سيره ببدنه وجوارحه أغلب عليه من سيره بقلبه وروحه ، ومنهم من يكون سيره بقلبه أغلب عليه ، ومنهم من يعطي كل مرتبة حقها ، فيسير الى الله ببدنه وجوارحه ، وقلبه وروحه ، وهؤلاء هم الاقوياء الكاملون. وقد أخبر الله سبحانه عن صفوة أوليائه بأنهم دائما في مقام الارادة له ، فقال تعالى :
«وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ» (١).
وقال تعالى :
«وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ
__________________
(١) سورة الانعام ، الآية ٥٢.