العبد وذات الرب ، فالاول تعطيل والحاد ، والثاني حلول واتحاد ، وانما حقيقة الامر تنحية النفس والخلق عن الطريق ، فان الوقوف معهما هو الانقطاع ، وتنحيتهما هو الاتصال.
وأما الملاحدة القائلون بوحدة الوجود فانهم قالوا : «العبد من أفعال الله وأفعاله من صفاته ، وصفاته من ذاته ، فأنتج لهم هذا التركيب أن العبد من ذات الرب تعالى الله وتقدس عما يقولون علوا كبيرا».
وأما المؤمن المطيع ، الخالص المخلص ، فهو الذي صفا له علمه وحاله ، واندرج علمه جميعه وأضعاف أضعافه في حق ربه تبارك وتعالى ، ورآه في جنب حقه أقل من خردلة بالنسبة الى جبال الدنيا ـ ولله المثل الاعلى ـ فهو من صفائه واخلاصه لربه لا يطلب من خالقه اثابة على عمله ، لاحتقاره له وقلته عنده وصغره في عينه. وقد روى الامام أحمد كما في «مدارج السالكين» : ان الله تعالى أوحى الى داود : يا داود أنذر عبادي الصادقين فلا يعجبن بأنفسهم ولا يتكلن على أعمالهم ، فانه ليس أحد من عبادي أنصبه للحساب ، وأقيم عليه عدلي الا عذبته ، من غير أن أظلمه ، وبشر عبادي الخطائين أنه لا يتعاظمني ذنب : أن أغفره وأتجاوز عنه.
كما روى الامام أحمد عن ثابت البناني قال : تعبد رجل سبعين سنة ، وكان يقول في دعائه : رب اجزني بعملي ، فمات فادخل الجنة فكان فيها سبعين عاما ، فلما فرغ وقته قيل له : اخرج فقد استوفيت عملك. فقلب أمره : أي شيء كان في الدنيا أوثق في نفسه؟ فلم يجد شيئا أوثق في نفسه من دعاء الله والرغبة اليه ، فأقبل يقول في دعائه : رب سمعتك وأنا في الدنيا وأنت تقيل العثرات ، فأقل اليوم عثرتي ، فيترك في الجنة ، وغاية الصفاء أن يدرك العبد أن ذاته وصفاته وأفعاله وقواه وحركاته كلها مملوكة لله ، ليس يملك العبد منها شيئا ، بل هو محض ملك الله ، فهو المالك لها ، المنعم على عبده باعطائه اياها ، فالمال ماله ، والعبد عبده ،