ويقول القرآن في سورة النساء :
«ان تبدو خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فان الله كان عفوا قديرا» أي اذا أظهرتم أيها الناس خيرا ، أو أخفيتموه ، او عفوتم عمن أساء اليكم ، فان ذلك مما يقربكم عند الله ، ويجزل ثوابكم لديه ، فان من صفاته تعالى أنه يعفو عن عباده مع قدرته على عقابهم.
فالاصل في الجزاء ـ كما في ظلال القرآن ـ هو مقابلة السيئة بالسيئة ، حتى لا يتبجح الشر ويطغى ، مع استحباب العفو ابتغاء وجه الله ، واصلاح النفس من الغيض ، واصلاح الجماعة من الاحقاد. والعفو انما يكون مع المقدرة ، فاذا جاء سماحة ولم يجىء ضعفا كان له وزنه وثمرته ، وأما مع الضعف والعجز فهو مما ينشر الفساد في الارض. والذي ينتصر بعد ظلمه ، ويجزي السيئة بالسيئة دون اعتداء يزاول حقه المشروع ، ولا سلطان لاحد عليه ، وانما يجب الوقوف في طريق الذين يظلمون الناس ، ويبغون في الارض بغير الحق ، واذا حقق الانسان في نفسه الاعتدال وضبط النفس والصبر والسماحة عند المقدرة ، كان الصبر هنا استعلاء لا استخذاء ، وتجملا لا ذلا.
وحينما عبر القرآن عن مقابلة السيئات بالحسنة فقال : «ويدرأون بالحسنة السيئة» كان المقصود بالتعبير انهم يقابلون السيئة بالحسنة ، ولكنه تجاوز المقدمة الى النتيجة ، فمقابلة السيئة بالحسنة يكسر شرة النفوس ، ويوجهها الى الخير ، ويطفىء جذوة الشر ، ويرد نزغ الشيطان ، ومن هنا يدرأ السيئة ويدفعها في النهاية ، فعجل النص بهذه النهاية وصدر بها الآية الكريمة ، ترغيبا في مقابلة السيئة بالحسنة ، وطلبا لنتيجتها المرتقبة.
ثم هي اشارة خفية الى مقابلة السيئة بالحسنة عند ما يكون في هذا