درء السيئة ودفعها لا اطماعها واستعلاءها ، وأما حين تحتاج السيئة الى القمع ، ويحتاج الشر الى الدفع فلا مكان لمقابلتها بالحسنة ، لئلا ينتفش الشر ويتجرأ ويتوقح.
ودرء السيئة بالحسنة لون حميد من الصبر ، وهو أشد من مجرد الصبر على الايذاء والسخرية ، فيه استعلاء على كبرياء النفس ، وفيه فوق ذلك سماحة راضية ، ترد القبح بالجميل ، وتقابل الجاهل بالطمأنينة ، وهذه مكانة لا يبلغها الا المؤمنون الذين يعاملون الله فيرضاهم ويرضونه ، فيلقون ما يلقون من الناس راضين مطمئنين.
ويتحدث الامام ابن القيم عن مقابلة الاساءة بالاحسان ، وهي فضيلة تتضمن التماس الاعذار للناس ، فيذكر ان كمال هذه الفضيلة لم يتحقق لاحد سوى النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم للورثة «بحسب سهامهم من التركة» كما يعبر ابن القيم ، ولا عجب في ذلك ولا غرابة ، فسيدنا ورائدنا وقائدنا رسول الله هو القائل : «اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن».
ويتحدث الهروي عن درجات الفتوة فيقول : ان الدرجة الثانية منها هي أن تقرب من يقصيك ، وتكرم من يؤذيك ، وتعتذر الى من يجني عليك ، سماحة لا كظما ، ومودة لا مثابرة. ويقول ابن القيم عن شيخه ابن تيمية : «وما رأيت أحدا قط أجمع لهذه الخصال من شيخ الاسلام ابن تيمية ـ قدس الله روحه ـ وكان بعض أصحابه الاكابر يقول : وددت أنه لاصحابه مثله لاعدائه وخصومه. وما رأيته يدعو على أحد منهم قط ، وكان يدعو لهم. وجئت يوما مبشرا له بموت أكبر أعدائه وأشدهم عداوة وأذى له فنهرني وتنكر لي واسترجع ، ثم قام من فوره الى بيت أهله فعزاهم ، وقال اني لكم مكانه ، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه الى مساعدة الا وساعدتكم عليه.