وفي تراثنا الادبي كلمات نوابغ تدل على النبل في التماس الاعذار للناس ، فهذا هو الشاعر المؤمل بن أميل يقول :
اذا مرضنا أتيناكم نعودكم |
|
وتخطئون فنأتيكم ونعتذر |
ويقول الهروي : «اعلم أن من أحوج عدوه الى شفاعة ، ولم يخجل من المعذرة اليه ، لم يشم رائحة الفتوة» ومعنى هذا ان الذي يستحق لقب الفتى لا يحوج غيره الى الاعتذار ، وفي التعليق على ذلك يقول ابن القيم : «يعني ان العدو متى علم انك متألم من جهة ما نالك من الاذى منه احتاج إلى أن يعتذر اليك ، ويشفّع اليك شافعا يزيل ما في قلبك منه فالفتوة كل الفتوة أن لا تحوجه الى الشفاعة ، بأن لا يظهر له منك عتب ولا تغير عما كان له منك قبل معاداته ولا تطوي عنه بشرك ولا برّك ، واذا لم تخجل أنت من قيامه بين يديك مقام المعتذر لم يكن لك في الفتوة نصيب».
من هذا الباب ما قاله الهروي : كل معصية عيّرت بها أخاك فهي لك. وقول الترمذي : «من عيّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله».
وذكر الحارث المحاسبي أن من حسن الخلق احتمال الاذى وقلة الغضب ، وبسط الوجه ، وطيب الكلام. ويستلزم حسن الخلق أمورا منها : كتمان السيئة واحتمالها ، وعدم استجابة الغضب ، وعدم ظهور غيظ على الوجه ، والكلام الطيب الجميل.
نسأل الله جلت قدرته أن يجعلنا من الذين يلتمسون الاعذار للناس. وأن نتذكر على الدوام قول القائل :
رزقت أكرم ما في الناس من خلق |
|
اذا رزقت التماس العذر في الشيم |
وعلى الله قصد السبيل.