عرف الاسلام».
وينبغي للقارىء هنا أن يرجع الى بحثنا الذي كتبناه عن «الامانة» في الجزء الثاني من كتابي «أخلاق القرآن» (١).
ويتحدث الهروي عن فضيلة الرعاية ، فيرى أن الرعاية ثلاث درجات : رعاية الاعمال ، ورعاية الاحوال ، ورعاية الاوقات. ويعلق على ذلك ابن القيم فيذكر أن معنى رعاية الاعمال هي توفيرها بتحقيرها ، والتوفير هنا معناه السلامة من طرفي التفريط بالنقص ، والافراط بالزيادة على الوجه المشروع في حدودها وصفاتها ، وشروطها وأوقاتها. وأما تحقير الاعمال فيراد به استصغارها في عينه. وأن ما يليق بعظمة الله وجلاله وحقوق عبادته أمر آخر ، وأنه لم يوفه حقه ، وأنه لا يرضى لربه بعمله. وقد قيل : علامة رضا الله عنك اعراضك عن نفسك ، وعلامة قبولك عملك احتقاره واستقلاله (عده حقيرا قليلا) وصغره في قلبك ، حتى ان العارف يستغفر الله عقب طاعته ، وقد كان رسول الله عليه الصلاة والسّلام اذا سلم من الصلاة استغفر الله ثلاثا ، وقد أمر الله عباده بالاستغفار عقيب الحج ، ومدحهم على الاستغفار عقب قيام الليل ، وشرع النبي صلىاللهعليهوسلم عقيب الطهور التوبة والاستغفار. والسر في ذلك أن من عرف واجب ربه وهو عظيم جليل ، ثم نظر الى عمله في عبادته استصغره مهما كان عظيما ، فاندفع الى استغفار ربه ، لأنه يستصغر عبادته.
ويضيف ابن القيم ان رعاية الاحوال هي أن يعد الانسان الاجتهاد مراءاة ، فيتهم نفسه في اجتهاده ، فلا يطغى به ، ولا يسكن اليه ، وانما هناك فضل الله وعطاؤه ، ووديعته عنده ، ومجرد منته عليه.
وأما رعاية الاوقات فهي أن يقف العبد مع كل خطوة ، أي يقف مع
__________________
(١) كتابي «أخلاق القرآن» الجزء الثاني ، من صفحة ١٥ الى صفحة ٣٢. الطبعة الاولى.