بن القيم معنى الغربة بأن كل من انفرد بوصف شريف دون أبناء جنسه فهو غريب بينهم ، لعدم مشاركته أو قلته ، والغربة ثلاثة أنواع :
١ ـ غربة عن الوطن للجهاد في سبيل الله بالابدان ، وصاحب هذه الغربة محمود ، وقد ورد انه يقاس له في قبره من مدفنه الى وطنه ، وقد توفي بالمدينة رجل ، فصلى عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقال : ليته مات في غير مولده. فقال رجل : ولم يا رسول الله؟ فقال : ان الرجل اذا مات قيس له من مولده الى منقطع أثره في الجنة.
وروي أن النبي صلوات الله وسلامه عليه وقف على قبر رجل بالمدينة فقال : «يا له ، لو مات غريبا. فقيل : وما للغريب يموت بغير أرضه؟ فقال : ما من غريب يموت بغير أرضه الا قيس له من تربته الى مولده في الجنة».
٢ ـ غربة الحال ، ويراد بالحال هنا الوصف الذي قام به من الدين والتمسك بالسنة وهذه الغربة محمودة ، لأن صاحب هذه الغربة أحد ثلاثة أنواع : صاحب صلاح ودين بين قوم فاسدين ، وصاحب علم ومعرفة بين قول جهال ، وصاحب صدق واخلاص بين أهل كذب ونفاق ، فان صفات هؤلاء الغرباء وأحوالهم تنافي صفات من هم بين أظهرهم ، فمثل هؤلاء بين أولئك كمثل الطير الغريب بين الطيور.
٣ ـ غربة الهمة وطلب الحق ، فان صاحب هذه الهمة غريب في أبناء الآخرة ، فضلا عن أبناء الدنيا ، كما أن طالب الآخرة غريب في أبناء الدنيا.
وبمسامرة الاحاديث النبوية الشريفة الواردة في صفات الغرباء نرى أميز صفاتهم هي : الصلاح عند الفساد ، والزيادة عن الغير في الايمان والتقوى والخير ، ومخالفة أهل البدع ، والفرار بالدين ليسلم لاهله ، والحب لسنة النبي صلىاللهعليهوسلم وتعليمها للناس ، مع الصفاء والخفاء