والبراءة ، فهؤلاء ـ كما يقول ابن القيم ـ هم الغرباء الممدوحون المغبوطون ، ولقلتهم في الناس جدا سموا «غرباء» ، فان أكثر الناس على غير هذه الصفات ، فأهل الاسلام في الناس غرباء ، والمؤمنون في أهل الاسلام غرباء ، وأهل العلم في المؤمنين غرباء ، وأهل السنة الذين يميزونها من الاهواء والبدع غرباء ، والداعون اليها الصابرون على أذى المخالفين أشد هؤلاء غربة ، ولكن هؤلاء هم أهل الله حقا ، فلا غربة عليهم وانما غربتهم بين الاكثرين الذين قال الله عزوجل فيهم في سورة الانعام :
«وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ» (١).
فأولئك هم الغرباء من الله ورسوله ودينه ، وغربتهم هي الغربة الموحشة وقد قيل :
فليس غريبا من تناءت دياره |
|
ولكن من تنأين عنه غريب |
ولما خرج موسى عليهالسلام هاربا من قوم فرعون انتهى الى مدين على الحال التي ذكر الله ، وهو وحيد غريب خائف جائع ، فقال : يا رب ، وحيد مريض غريب. فقيل له : يا موسى ، الوحيد من ليس له مثلي أنيس ، والمريض من ليس له مثلي طبيب ، والغريب من ليس بيني وبينه معاملة.
وخير أنواع الغربة غربة أهل الله وأهل سنة رسول الله ولذلك كانت هي الغربة المحبوبة المرغوبة المطلوبة ، ولذلك نرى العلماء الحقيقيين غرباء ، لقلتهم بين الجهال وهم كثير ، واللغة تعاون على فهم هذا المعنى فتقول : الغريب عديم النظير ، والغريب حق الغربة غريب في دينه بين الناس
__________________
(١) سورة الانعام ، الآية ١١٦.