«انها صورة مبدعة لنموذج بشري مكرور .. وان الانسان ليظل مدفوعا مع تيار الحياة. يخطىء ويذنب ويطغى ويسرف والصحة موفورة ، والظروف مواتية. وليس ـ الا من عصم الله ورحم ـ من يتذكر في ابان قوته وقدرته أن هناك ضعفا وأن هناك عجزا. وساعات الرخاء تنسي ، والاحسان بالغنى يطغي .. ثم يمسه الضر فاذا هو جزوع هلوع ، واذا هو كثير الدعاء ، عريض الرجاء ، ضيق بالشدة مستعجل للرخاء. فاذا استجيب الدعاء وكشف الضر انطلق لا يعقب ولا يفكر ولا يتدبر. انطلق الى ما كان فيه من قبل من اندفاع واستهتار. والسياق يتسق خطوات التعبير وايقاعه مع الحالة النفسية التي يصورها. والنموذج البشري الذي يعرضه. فيصور منظر الضرفي بطء وتلبث وتطويل : «دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما» يعرض كل حالة وكل وضع وكل منظر ، ليصور وقفة هذا الانسان وقد توقف التيار الدافع في جسمه او في ماله أو في قوته كما يتوقف التيار أمام السد ، فيقف أو يرتد ، حتى اذا رفع الحاجز «مرّ» كلمة واحدة تصور الاندفاع والمروق والانطلاق «مر» لا يتوقف ليشكر ، ولا يلتفت ليتدبر ولا يتأمل ليعتبر. «مر كأن لم يدعنا الى ضر مسه» واندفع مع تيار الحياة دون كابح ولا زاجر ولا مبالاة. وبمثل هذه الطبيعة. طبيعة التذكر فقط عند الضر ، حتى اذا ارتفع انطلق ومرّ ، بمثل هذه الطبيعة استمر المسرفون في اسرافهم ، لا يحسون ما فيه من تجاوز للحدود : «كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون».
ويقول القرآن في سورة يونس أيضا :
«هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ