ويتحدث رشيد رضا عن القسم الثاني من الدعاء وهو الاختياري فيذكر أنه من الاعمال التي تزيد في الايمان ، وتدعمه كسائر العبادات المطلوبة في الدين ، وليس أثرا طبيعيا له ، ولو لا ذلك لما كان للتكليف به معنى. اذا قال العبد : اللهم وسع عليّ في الرزق ، يتذكر أن سعيه في طلب الرزق من أسبابه التي هداه الله تعالى اليها بالحواس ، والعقل يتوقف على حفظ قواه ، وعلى توفيق الله بين سعيه وبين الاحوال والامور الخارجية التي يتوقف عليها النجاح ، فيزداد ايمانه بهذا الذكر ، ويزداد نشاطه باعتقاده أن الله يعينه ما رعى سنته في خليقته ، وأتى البيوت من أبوابها.
واذا قال : اللهم اغفر لي يتذكر أنه عرضة للهفوات والخطايا ، وأن الغفران الالهي له طريق بيّنها الكتاب العزيز بمثل قوله :
«واني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى».
فان لم يتذكر الآية فانه يتذكر معناها ، الا اذا كان جاهلا بالدين ، مكتفيا منه بما يسمعه ممن يعيش بينهم من الجاهلين ، واذا تذكر ان الدين علّم البشر أن للذنوب والخطايا آثارا سيئة في النفس ، وان غفرها ومحوها انما يكون بالرجوع عن الذنب ، وعمل طاعة من جنسه تؤثر في النفس ضد أثره ، فانه يكون قريبا من العمل الصالح. قال تعالى :
«إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ» (١).
وقال عليه الصلاة والسّلام : «وأتبع السيئة الحسنة تمحها».
وان قال قائل : كيف ندعو الله من أجل أمر هو يعلمه ويحيط به؟ فان الجواب يمكن أن يؤخذ من مثل قول القائل الحكيم :
__________________
(١) سورة هود ، الآية ١١٤.