لتوسع البشر في اعمال الفلاحة والزراعة ، وما يرقيها من فنون الصناعة ، وسائر وسائل العمران ، واظهار عجائب علم الله وحكمته وقدرته في العالم ورحمته واحسانه بالخلق.
ولو وقف الانسان عند ما تنبت له الارض من الغذاء لحفظ حياة أفراده الشخصية وبقاء حياته النوعية كسائر أنواع الحيوان ، لما وجد شيء من هذه العلوم والفنون والاعمال. وهل كان ما ذكر في بيان خلقه الاول من أكل آدم وحواء من الشجرة التي نهيا عنها الا بدافع غريزة كشف المجهول ، والحرص على الوصول الى الممنوع؟. وهل كان ما ذكر من حرمانهما من الراحة بنعيم الجنة التي يعيشان فيها رغدا بغير عمل ، الا لبيان سنة الله في جعل هذا النوع عالما صناعيا تدفعه الحاجة الى العمل ويدفعه العمل الى العلم ، ويدفعه حب الراحة الى التعب ، ويثمر له التعب الراحة؟
وقد عرف من اختبار قبائل هذا النوع وشعوبه ، في حالي بداوته وحضارته أنه يتعب ويبذل في سبيل الزينة فوق ما يتعب ويبذل في سبيل ضروريات المعيشة ، وكثيرا ما يفضلها عليها عند التعارض ، فالمرء قد يضيق على نفسه في طعامه وشرابه ليوفر لنفسه ثمنا لثوب فاخر ، يتزين به في الاعياد والمجامع ، وماذا تقول في المرأة وهي أشد حبا للزينة من الرجل ، وقد تؤثرها على جميع اللذات الاخرى؟. وان توسع الاغنياء في أنواع الزينة التي ينفسون بها على الفقراء هو الذي وسع الطرق لاستفادة هؤلاء من فضل أموال أولئك ، فان الغواصين الذين يستخرجون اللؤلؤ من أعماق البحار ، وعمال الصياغة والحياكة والتطريز والبناء والنقش ، والتصوير وسائر الزينات ، كلهم أو جلهم من الفقراء الذين يتزين الاغنياء بما يعملون لهم ، وهم منه محرومون ، ولكنهم لا يصلون الى ما لا بد لهم منه من معيشة وزينة تليق بهم الا بسبب تنافس الاغنياء فيه.