وقد جاء قبل هذه الآية قوله تعالى :
«ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ، وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ، حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ» (١)
وتعظيم حرمات الله ـ كما يقول أهل التفسير ـ يتبعه التحرج من المساس بها ، وذلك خير عند الله : خير في عالم الضمير والمشاعر وخير في عالم الحياة والواقع ، فالضمير الذي يتحرج هو الضمير الذي يتطهر ، والحياة التي ترعى فيها حرمات الله هي الحياة التي يأمن فيها البشر من البغي والاعتداء ، ويجدون فيها مثابة أمن ، وواحة سلام ، ومنطقة اطمئنان.
وفي قوله تعالى : «ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ» نص صريح واضح على الارتباط بين تعظيم شعائر الله وتقوى القلوب ، حتى لو أخذنا بالتفسير الضيق النطاق لمعنى شعائر الله وهو الهدي الذي يسوقه الحجيج ، فالتقوى ـ كما يشرح تفسير في ظلال القرآن ـ هي الغاية من مناسك الحج ومشاعره ، فهذه الشعائر ما هي الا رموز تعبر عن التوجه الى رب البيت وطاعته ، وقد تحمل في طياتها ذكريات قديمة من عهد أبي الانبياء ابراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسّلام وما تلا عهد ابراهيم ، وهي ذكريات الطاعة والانابة لله والتوجه اليه منذ نشأت هذه الامة المسلمة ، فهي والدعاء والصلاة سواء.
__________________
(١) سورة الحج ، الآية ٣٠ و ٣١.