إِلَيْكُمْ) أي فقامت الحجة عليكم (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) استئناف بالوعيد لهم. أي : فيهلكهم ، ويجيء بقوم آخرين يخلفونكم في دياركم وأموالكم (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) أي بتوليكم لاستحالته عليه ، بل تضرون أنفسكم. أو بذهابكم وهلاككم لا ينقص من ملكه شيء (إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) أي رقيب عليه ، مهيمن ، فلا تخفى عليه أعمالكم ، فيجازيكم بحسبها. أو حافظ حاكم مستول على كل شيء ، فلا يمكن أن يضره شيء.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) (٥٨)
(وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) أي عذابنا ، أو أمرنا بالعذاب ، وهو الريح العقيم (نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) وقد بيّن في غير آية ، منها قوله : (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ ، سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) [الحاقة : ٦ ـ ٧].
فإن قلت : ما معنى تكرير التنجية؟ فالجواب : لا تكرير فيه ، لأن الأول إخبار بأن نجاتهم برحمة الله وفضله ، والثاني بيان ما نجوا منه ، وأنه أمر شديد عظيم لا سهل ، فهو للامتنان عليهم ، وتحريض لهم على الإيمان. أو الأول إنجاء من عذاب الدنيا ، والثاني من عذاب الآخرة ، تعريضا بأن المهلكين كما عذبوا في الدنيا بالسموم ، فهم معذبون في الآخرة بالعذاب الغليظ. ويرجح الأول بملاءمته لمقتضى المقام.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (٥٩)
(وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ) تأنيث اسم الإشارة ، باعتبار القبيلة. وصيغة البعيد لتحقيرهم ، أو لتنزيلهم منزلة البعيد ، لعدمهم. وإذا كانت الإشارة لمصارعهم ، فهي للبعيد المحسوس. وتعدى الجحود بالباء حملا له على الكفر ، لأنه المراد. أو بتضمينه معناه ، كما أن (كفر) جرى مجرى (جحد). فتعدى بنفسه في قوله : (كَفَرُوا رَبَّهُمْ) [هود : ٦٠]. وقيل : (كفر) ك (شكر) يتعدّى بنفسه وبالحرف. وظاهر كلام القاموس : أن (جحد) كذلك.