والمعنى : كفروا بالله ، وأنكروا آياته التي في الأنفس والآفاق الدالة على وحدانيته. وجمع (الرسل) ، مع أنه لم يرسل إليهم غير هود عليه الصلاة والسلام ، تفظيعا لحالهم ، وإظهارا لكمال كفرهم وعنادهم ، ببيان أن عصيانهم له ، عليه الصلاة والسلام ، عصيان لجميع الرسل السابقين واللاحقين ، لاتفاق كلمتهم على التوحيد (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البقرة : ١٣٦] ـ كذا في (العناية) وأبي السعود.
(وَاتَّبَعُوا) أي أطاعوا في الشرك (أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) لا يستدل بدليل ، ولا يقبله من غيره. يريد رؤساءهم وكبراءهم ، ودعاتهم إلى تكذيب الرسل.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ) (٦٠)
(وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) أي جعلت تابعة لهم في الدارين ، أي لازمة.
قال أبو السعود : والتعبير عن ذلك بالتبعية للمبالغة ، فكأنها لا تفارقهم ، وإن ذهبوا كل مذهب ، بل تدور معهم ، حيثما داروا. ولوقوعه في صحبة اتباعهم رؤساءهم. يعني : أنهم لما اتّبعوهم أتبعوا ذلك جزاء وفاقا.
(أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ) إذ عبدوا غيره ـ وتقدم تعدية (كفر) ـ (أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ) دعا عليهم بالهلاك أو باللعنة ، وفيه من الإشعار بالسخط عليهم ، والمقت ، ما لا يخفى فظاعته. وتكرير حرف التنبيه ، وإعادة (عاد) للمبالغة في تهويل حالهم ، والحث على الاعتبار بنبئهم. و (قوم هود) عطف بيان ل (عاد) فائدته النسبة بذكره عليهالسلام ، الذي إنما استحقوا الهلاك بسببه ، كأنه قيل : عاد قوم هود الذي كذبوه. وتناسب الآي بذلك أيضا فإن قبلها (وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) [هود : ٥٩]. وقبل ذلك (حفيظ) و (غليظ) ، وغير ذلك مما هو على وزن (فعيل) المناسب ل (فعول) في القوافي ـ والله أعلم ـ.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) (٦١)
(وَإِلى ثَمُودَ) عطف على ما سبق بيانه من قوله : (وَإِلى عادٍ) أي وأرسلنا إلى