القول في تأويل قوله تعالى :
(فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ) (٨٢)
(فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) أي عذابنا (جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) أي فقلبت تلك المدن ونبتها بسكانها جميعا. (وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) أي طين متحجر ، كقوله : (حِجارَةً مِنْ طِينٍ) [الذاريات : ٣٣] ، (مَنْضُودٍ) أي يرسل بعضه في إثر بعض متتابعا.
قال المهايميّ : اتصل بعضه ببعض ، ليرجموا رجم الزناة ، بما يناسب قسوتهم ورينهم الذي اتصل بقلوبهم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) (٨٣)
(مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ) معلّمة عنده (وَما هِيَ) أي تلك الحجارة (مِنَ الظَّالِمِينَ) أي بالشرك وغيره (بِبَعِيدٍ) فإنهم بسبب ظلمهم مستحقون لها ، وملابسون بها. وفيه وعيد شديد لأهل الظلم كافة. وقيل : الضمير للقرى ، أي هي قريبة من ظالمي مكة ، يمرون بها في أسفارهم إلى الشام ، وقد صار موضع تلك المدن بحر ماء أجاج لم يزل إلى يومنا هذا ، ويعرف ب (البحر الميت) لأن مياهه لا تغذي شيئا من جنس الحيوان ، وب (بحر الزفت) أيضا ، لأنه ينبعث من عمق مقرّه إلى سطحه ، فيطفو فوقه ، وب (بحيرة لوط) والأرض التي تليها قاحلة لا تنبت شيئا.
قال أبو السعود : وتذكير (بعيد) على تأويل (الحجارة) بالحجر ، أو إجرائه على موصوف مذكر ، أي بشيء بعيد ، أو لأنه على أنه المصدر ك (الزفير) و (الصهيل). والمصادر يستوي في الوصف بها ، المذكر والمؤنث.
وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) (٨٤)
(وَإِلى مَدْيَنَ) أي وأرسلنا إلى مدين ، عطف على ما قبله و (مدين) بلد بين