ظاهر ، وإن لم يحمل على العهد ، وأبقى على إطلاقه ففائدة التأكيد بيان أن ملء جهنم من الصنفين ، لا من أحدهما فقط ، ويكون الداخلوها منهما مسكوتا عنه موكولا إلى علمه تعالى ، فاندفع ما أورد على ظاهرها من اقتضائه دخول جميع الفريقين جهنم. وبطلانه معلوم بالضرورة. أما على الأول فظاهر وأما على الثاني فالمراد بلفظ (أجمعين) تعميم الأصناف ، وذلك لا يقتضي دخول جميع الأفراد ، كما إذا قلت : ملأت الجراب من جميع أصناف ، الطعام ، فإنه لا يقتضي ذلك إلا أن يكون فيه شيء من كل صنف من الأصناف ، لا أن يكون فيه جميع أفراد الطعام. كقولك : امتلأ المجلس من جميع أصناف الناس ، لا يقتضي أن يكون في المجلس جميع أفراد الناس ، بل يكون من كل فرد صنف ، وهو ظاهر. وعلى هذا تظهر فائدة لفظ (أجمعين) إذ فيه ردّ على اليهود وغيرهم ، ممن زعم أنه لا يدخل النار ـ كذا في العناية ـ.
ولما ذكر تعالى فيما تقدم من أنباء الأمم الماضية ، والقرون الخالية ، ما جرى لهم مع أنبيائهم ـ أشار هنا إلى سر ذلك وحكمته ، بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) (١٢٠)
(وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) أي نقوي به قلبك لتصبر على أذى قومك ، وتتأسى بالرسل من قبلك ، وتعلم أن العاقبة لك ، كما كانت لهم. و (كلّا) مفعول (لنقصّ) و (من أنباء) بيان له. و (ما ثبت) بدل من (كلّا) أو خبر محذوف.
(وَجاءَكَ فِي هذِهِ) أي السورة ، أو الأنباء المقتصّة (الْحَقُ) أي القصص الحق الثابت (وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) أي عبرة لهم يحترزون بها عما أهلك الأمم ، وتذكير لما يجب أن يتدينوا به ، ويجعلوه طريقهم وسيرتهم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ) (١٢١)
(وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) أي بهذا الحق ، ولا يتعظون ولا يتذكرون (اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) أي حالكم من اتباع الأهواء (إِنَّا عامِلُونَ) أي على حالنا من اتباع ما جاءنا والاتعاظ والتذكر به.