بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
القول في تأويل قوله تعالى :
(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) (١)
(الر) تقدم الكلام على مثله ، وأنها إما حروف مسرودة على نمط التعديد ، والإشارة في قوله : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) إلى آيات السورة ، نزّل ما بعده ، لكونه مترقبا ، منزلة المتقدم. والإشارة بالبعيد لعظمته ، وبعد مرتبته. وإما اسم للسورة ، والإشارة في (تلك) إليها. والمراد ب (الكتاب) السورة لأنه بمعنى المكتوب ، فيطلق عليها. أو القرآن ، لأنه كما يطلق على كله ، يطلق على بعضه. و (المبين) بمعنى الظاهر أمرها وإعجازها ، إن أخذ من (بان) لازما بمعنى ظهر ؛ وإن أخذ من المتعدي فالمفعول مقدّر ، أي أنها من عند الله تعالى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٢)
(إِنَّا أَنْزَلْناهُ) أي الكتاب المنعوت بما ذكر (قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أي لكي تفهموه ، وتحيطوا بمعانيه ، ولا يلتبس عليكم. كما قال تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ) [فصلت : ٤٤] ، أو لتستعملوا فيه عقولكم ، فتعلموا أن اقتصاصه كذلك ، ممن لم يتعلم القصص ، معجز ، لا يمكن إلا بالإيحاء. أو (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) بإنزاله عربيا ، ما تضمن من المعاني والأسرار ، التي لا يتضمنها ولا يحتملها غيرها من اللغات وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها ، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس. قال بعضهم : نزل أشرف الكتب ، بأشرف اللغات ، على أشرف الرسل ، بسفارة أشرف الملائكة ، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض ، وفي أشرف شهور السنة ، وهو رمضان ، فكمل له الشرف من كل الوجوه.