يظنّ أنهم يؤمنون إذا تلي عليهم ، فلما نزلت وأصرّوا على كفرهم ، قيل له : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ) إلخ. وكأنه إشارة إلى ما ذكر في قوله تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [القصص : ٥٦].
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) (١٠٤)
(وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ) أي على هذا النصح ، والدعاء إلى الخير والرشد ، (مِنْ أَجْرٍ) أي أجرة (إِنْ هُوَ) أي ما هو ، يعني القرآن ، (إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) أي : عظة لهم ، يتذكرون به ويهتدون وينجون في الدنيا والآخرة يعني : أن هذا القرآن يشتمل على العظة البالغة ، والمراشد القويمة ، وأنت لا تطلب في تلاوته عليهم مالا ، ولا جعلا. فلو كانوا عقلاء لقبلوا ، ولم يتمردوا.
قال بعض اليمانين : في الآية دليل علي أن من تصدّر للإرشاد ، من تعليم ووعظ ، فإن عليه اجتناب ما يمنع من قبول كلامه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) (١٠٥)
(وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) أي : وكم من آية على وحدانية الخالق ، وقدرته الباهرة ، ونعوته الجليلة ، في السموات : من كواكبها وأفلاكها. وفي الأرض : من قطع متجاورات ، وحدائق وجنات ، وجبال راسيات ، وبحار زاخرات ، وقفار شاسعات ، وحيوان ونبات ، وثمار مختلفات ، وأحياء ، وأموات ، يشاهدونها ، ولا يعتبرون بها.
قال الرازيّ : يعني أنه لا عجب إذا لم يتأملوا في الدلائل الدالة على نبوتك ، فإن العالم مملوء من دلائل التوحيد ، والقدرة والحكمة ثم إنهم يمرون عليها ، ولا يلتفتون إليها. واعلم أن دلائل التوحيد والعلم والقدرة والحكمة والرحمة ، لا بد وأن تكون من أمور محسوسة ، وهي إما الأجرام الفلكية ، وإما الأجرام العنصرية. أما الأجرام الفلكية فهي قسمان : أفلاك وكواكب أما الأفلاك ، فقد يستدل بمقاديرها المعينة على وجود الصانع. وقد يستدل بكون بعضها فوق البعض أو تحته ، وقد يستدل بأحوال حركاتها ، إما بسبب أن حركاتها مسبوقة بالعدم ، فلا بد من محرك قادر ، وإما بسبب كيفية حركاتها في سرعتها وبطئها ، وإما بسبب اختلاف جهات