فإنها تشير إلى ما يتخلل الأفئدة وينغمس به الأكثرون من الشرك الخفيّ ، الذي لا يشعر صاحبه به غالبا ومنه قول الحسن في هذه الآية : ذاك المنافق ، يعمل إذا عمل رئاء الناس ، وهو مشرك بعمله. يعني : الشرك في العبادة. فصاحبه ، وإن اعتقد وحدانيته تعالى : ـ ولكن لا يخلص له في عبوديته بل يعمل لحظ نفسه ، أو طلب الدنيا ، أو طلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق. فلله من عمله وسعيه نصيب ، ولنفسه وحظه وهواه نصيب وللشيطان نصيب ، وللخلق نصيب. وهذا حال أكثر الناس ، وهو الشرك الذي قال فيه النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فما رواه ابن حبان في صحيحه : الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل. فالرياء كله شرك ، وهو محبط للعبادة ، مبطل ثواب العمل ، ويعاقب عليه إذا كان العمل واجبا. فإنه تعالى أمر بعبادته خالصة. قال تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ) [البينة : ٥] ، فمن لم يخلص لله في عبادته ، لم يفعل ما أمر به ، بل الذي أتى به شيء غير المأمور ، فلا يقبل منه.
وروى مسلم (١) وغيره عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يقول الله : أنا أغنى الشركاء عن الشرك. من عمل عملا أشرك فيه معي غيري ، تركته وشركه.
وروى الإمام أحمد (٢) عن محمود بن لبيد ، رفعه إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم : إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر! قالوا : وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال : الرياء!
ومن الشرك نوع غير مغفور ، وهو الشرك بالله في المحبة والتعظيم ، بأن يحب مخلوقا كما يجب الله. فهذا من الشرك الذي لا يغفره الله ، وهو الشرك الذي قال سبحانه فيه : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً ..) [البقرة : ١٦٥] الآية ، وقال أصحاب هذا الشرك لآلهتهم ، وقد جمعتهم الجحيم : (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ، إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ٩٧ ـ ٩٨] ، ومعلوم أنهم ما سوّوهم به سبحانه في الخلق والرزق ، والإماتة والإحياء ، والملك والقدرة ، وإنما سوّوهم به في الحب والتألّه ، والخضوع لهم والتذلل. وهذا غاية الجهل والظلم فكيف يسوّى من خلق من التراب ، برب الأرباب؟ وكيف يسوّى العبيد بمالك الرقاب ، وكيف يسوى الفقير بالذات ، الضعيف بالذات ، العاجز بالذات ، المحتاج بالذات ، الذي ليس له من ذاته إلا العدم ، بالغنيّ بالذات ، القادر بالذات ، الذي غناه وقدرته وملكه ووجوده
__________________
(١) أخرجه مسلم في : الزهد والرقائق ، حديث ٤٦.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٥ / ٤٢٨.