الثالث ـ دلت الآية على أن سيرة أتباعه صلىاللهعليهوسلم ، الدعوة إلى الله.
قال الرازي : كل من ذكر الحجة ، وأجاب عن الشبهة ، فقد دعا بمقدار وسعه إلى الله. وهذا يدل على أن الدعاء إلى الله تعالى إنما يحسن ويجوز مع هذا الشرط : وأن يكون على بصيرة مما يقول ، وعلى هدى ويقين ، فإن لم يكن كذلك ، فهو محض الغرور. انتهى.
ولا يخفى أن الدعوة إلى الله إنما هي بنشر مطالب الدين ، وإذاعة آدابه وتعليمه.
قال بعضهم : ينبغي للعالم أن يكون حديثه مع العامة ، في حال مخالطته ومجالسته لهم ، في بيان الواجبات والمحرمات ، ونوافل الطاعات ، وذكر الثواب والعقاب ، على الإحسان والإساءة. ويكون كلامه معهم بعبارة قريبة واضحة يعرفونها ويفهمونها. ويزيد بيانا للأمور التي يعلم أنهم ملابسون لها ولا يسكت حتى يسأل عن شيء من العلم ، وهو يعلم أنهم محتاجون إليه ، ومضطرون إليه ، فإن علمه بذلك سؤال منهم بلسان الحال ، والعامة قد غلب عليهم التساهل بأمر الدين ، علما وعملا ، فلا ينبغي للعلماء أن يساعدوهم على ذلك بالسكوت عن تعليمهم وإرشادهم ، فيعمّ الهلاك ، ويعظم البلاء. وقلما تختبر عاميا ـ وأكثر الناس عامة ـ إلا وجدته جاهلا بالواجبات والمحرمات ، وبأمور الدين التي لا يجوز ولا يسوغ الجهل بشيء منها. وإن لم يوجد جاهلا بالكل ، وجد جاهلا بالبعض. وإن علم شيئا من ذلك ، وجدت علمه به علما مسموعا من ألسنة الناس ، لو أردت أن تقلبه له جهلا فعلت ذلك بأيسر مؤونة ، لعدم الأصل والصحة فيما يعلمه. وعلى الجملة ، فيتأكد على العلماء أن يجالسوا الناس بالعلم ، ويحدثوهم به ، ويبثوه لهم ، ويكون كلام العالم معهم في بيان الأمر الذي جاءوا من أجله. مثل ما إذا جاءوا لعقد نكاح ، يكون كلامه معهم فيما يتعلق بحقوق النساء من الصداق والنفقة والمعاشرة بالمعروف. أو لعقد بيع ، يكون كلامه في صحيح البيوع وآدابها ، وفوائد التجارة النافعة ، واجتناب الغش والخداع وهكذا. ولا ينبغي للعالم أن يخوض مع الخائضين ، ولا أن يصرف شيئا من أوقاته في غير إقامة الدين. وبالسكوت عن التذكير والتعليم ، يغلب الفساد ، ويعم الضرر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقوله تعالى :