بِمُعْجِزِينَ ، أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) [النحل : ٤٥ ـ ٤٦ ـ ٤٧] ، وقوله : (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ ، أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ، أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) [الأعراف : ٩٧ ـ ٩٨ ـ ٩٩].
القول في تأويل قوله تعالى :
(قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٠٨)
(قُلْ هذِهِ سَبِيلِي) أي هذه السبيل ، التي هي الدعوة إلى الإيمان والتوحيد ، سبيلي ، أي طريقي ومسلكي وسنتي. والسبيل والطريق يذكّران ويؤنّثان. ثم فسر سبيله : بقوله : (أَدْعُوا إِلَى اللهِ) أي : إلى دينه وتوحيده ، ومعرفته بصفات كماله ، ونعوت جلاله (عَلى بَصِيرَةٍ) أي : مع حجة واضحة ، غير عمياء. (أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) أي : آمن بي ، يدعون إلى الله أيضا على بصيرة ، لا على هوى. (وَسُبْحانَ اللهِ) أي : وأنزهه وأجله وأقدسه عن أن يكون له شريك ؛ أو ندّ أو كفء أو ولد أو صاحبة ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا. (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي : على دينهم.
تنبيهات :
الأول ـ قال السمين (أَدْعُوا إِلَى اللهِ) يجوز أن يكون مستأنفا ، وهو الظاهر ، وأن يكون حالا من الياء. و (عَلى بَصِيرَةٍ) حال من فاعل (أَدْعُوا) أي : أدعو كائنا على بصيرة وقوله : (وَمَنِ اتَّبَعَنِي) عطف على فاعل (أَدْعُوا) ولذلك أكد بالضمير المنفصل. ويجوز أن يكون مبتدأ ، والخبر محذوف. أي : ومن اتبعني يدعو أيضا ويجوز أن يكون (عَلى بَصِيرَةٍ) خبرا مقدما ، و (أَنَا) مبتدأ مؤخرا و (مَنِ اتَّبَعَنِي) عطف عليه ومفعول (أَدْعُوا) إما منويّ ، أي الناس ، أو منسي.
الثاني ـ دل قوله تعالى : (عَلى بَصِيرَةٍ) على مزية هذا الدين الحنيف ، ونهجه الذي انفرد به ، وهو أنه لم يطلب التسليم به لمجرد أنه جاء بحكايته ، ولكنه ادعى وبرهن وحكى مذاهب المخالفين ، وكرّ عليها بالحجة ، وخاطب العقل ، واستنهض الفكر ، وعرض نظام الأكوان وما فيها من الإحكام والإتقان ، على أنظار العقول ، وطالبها بالإمعان فيها لتصل بذلك إلى اليقين بصحة ما ادعاه ودعا إليه ـ انظر (رسالة التوحيد) في تتمة ذلك.