الدار الآخرة ، وهي خير لهم من الدنيا. كقوله تعالى : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) [غافر : ٥١].
(أَفَلا تَعْقِلُونَ) أي تستعملون عقولكم ، فتعلموا أن الآخرة خير ، أو تعلموا كيف عاقبة أولئك.
ثم بيّن تعالى أن العاقبة لرسله ، وأن نصره يأتيهم إذا تمادى تكذيبهم ، تثبيتا لفؤاده صلىاللهعليهوسلم ، فقال سبحانه :
القول في تأويل قوله تعالى :
(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (١١٠)
(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) أي : من إجابة قومهم ، (وَظَنُّوا) أي : علموا وتيقنوا. يعني : الرسل. (أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا) يقرأ كذبوا بضم الكاف وتشديد الذال. أي : كذبهم قومهم بما جاءوا به ، لطول البلاء عليهم. ويقرأ بضم الكاف وتخفيف الذال. فالضمير في (ظَنُّوا) ـ على ما اختاروه ـ للقوم. أي : ظنوا أن الرسل قد كذبوا. أي : ما وعدوا به من النصر.
وروي عن ابن عباس أن الضمير للرسل. أي : وظنوا حين ضعفوا وغلبوا أنهم قد أخلفوا ما وعدهم الله من النصر ، وقال : كانوا بشرا ، وتلا قوله تعالى : (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ) [البقرة : ٢١٤] ، وقد استشكلوه على ابن عباس ، وتأوّلوا لكلامه وجوها :
قال الزمخشري : أراد بالظن ما يخطر بالبال ، ويهجس في القلب ، من شبه الوسوسة ، وحديث النفس ، على ما عليه البشرية. انتهى.
وقيل : المراد بظنهم عليهمالسلام ذلك ، المبالغة في التراخي والإمهال ، على طريق الاستعارة التمثيلية ، بأن شبه المبالغة في التراخي بظن الكذب ، باعتبار استلزام كل منهما ، لعدم ترتب المطلوب ، فاستعمل ما لأحدهما للآخر.
وقال الخطابي : لا شك أن ابن عباس لا يجيز على الرسل أنها تكذب بالوحي ، ولا تشك في صدق المخبر ، فيحمل كلامه على أنه أراد أنهم ، لطول البلاء عليهم ، وإبطاء النصر وشدة استنجاز ما وعدوا به ـ توهموا أن الذي جاءهم من الوحي كان