حسبانا من أنفسهم ، وظنوا عليها الغلط في تلقي ما ورد عليهم من ذلك ، فيكون الذي بني له الفعل أنفسهم ، لا الآتي بالوحي. والمراد ب (الكذب) : الغلط ، لا حقيقة الكذب ، كما يقول القائل : كذبتك نفسك.
قال الحافظ ابن حجر : ويؤيده قراءة مجاهد (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) بفتح أوله مع التخفيف أي : غلطوا. ويكون فاعل (وظنوا) الرسل.
وقال أبو نصر القشيري : ولا يبعد أن المراد خطر بقلب الرسل ، فصرفوه عن أنفسهم. أو المعنى : قربوا من الظن ، كما يقال : بلغت المنزل ، إذا قربت منه.
وقال الترمذي الحكيم : وجهه : أن الرسل كانت تخاف بعد أن وعدهم الله النصر ، أن يتخلف النصر ، لا من تهمة بوعد الله ، بل لتهمة النفوس أن تكون قد أحدثت حدثا ينقض ذلك الشرط ، فكان الأمر إذا طال ، واشتد البلاء عليهم ، دخلهم الظن من هذه الجهة.
وحكى الواحدي عن ابن الأنباري أنه قال : ما روي عن ابن عباس غير معوّل عليه ، وأنه ليس من كلامه ، بل تؤوّل عليه.
قال ابن حجر : وعجب لابن الأنباري في جزمه بأنه لا يصح ثم للزمخشري في توقفه عن صحة ذلك عن ابن عباس ، فإنه صح عنه ، أي : فرواه البخاريّ (١) في تفسير البقرة بلفظ : ذهب بها هناك ، وأشار إلى السماء ، وزاد الإسماعيلي عنه : كانوا بشرا ضعفوا وأيسوا وظنوا أنهم قد كذبوا.
وروى البخاري (٢) أن عائشة كانت تقرأ (كذبوا) مشددة ، وتتأوّلها على المعنى الأول ، وأن عروة قال لها : لعلها (كذبوا) مخففة ، فقالت : معاذ الله!
قال الحافظ ابن حجر : وهذا ظاهر في أنها أنكرت القراءة بالتخفيف ، ولعلها لم تبلغها ممن يرجع إليه في ذلك ، وقد قرأها بالتخفيف أئمة الكوفة من القرّاء : عاصم ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي. ووافقهم من الحجازيين أبو جعفر بن القعقاع ، وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس وأبي عبد الرحمن السلميّ ، والحسن
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : التفسير ، ٢ ـ سورة البقرة ، ٣٨ ـ باب (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) ، حديث رقم ١٩٧٥ ، عن ابن عباس.
(٢) أخرجه البخاريّ في : التفسير ، ٢ ـ سورة البقرة ، ٣٨ ـ باب أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) ، حديث رقم ١٥٩٨ ، عن عائشة.